سليمان جودة
ترقد الدكتورة نوال السعداوى فى بيتها هذه الأيام، وهى تقاوم المرض وتصارعه، بينما لسان حالها يردد ما كان خالد بن الوليد يردده وهو على فراش المرض.. كان يتطلع حوله ويقول: أموت فى فراشى كما يموت البعير، وليس فى جسدى موضع إلا وفيه رمية سهم، فلا نامت أعين الجبناء!.

إننى بالطبع أدعو لها بالشفاء، وأتمنى لها طول العمر، وأرجو أن تسترد صحتها سريعًا، وأن تعود كما كانت وأحسن: كاتبة قوية، ومشاغبة، ومتمردة، لا تخاف شيئًا، ولا تهاب أحدًا، وعندها استعداد كامل لأن تظل تقاتل فى سبيل ما تؤمن به وتعتقده حتى آخر لحظة!.

كانت يوم أخذوها إلى محبسها فى سبتمبر 1981 تجلس إلى جوار الشباك فى سيارة الشرطة، وتتمسك بأن يجلس الضابط إلى جانب السائق، لا أن تجلس هى بينهما، ثم تظل تشاور للناس فى الشارع بيدها كأنها ذاهبة إلى نزهة!.

كانت تفعل ذلك وهى تحتفظ بإرادتها فى يدها، وترفض أن تكون فى يد أى طرف آخر، مهما كان هذا الطرف الآخر، ومهما كان موقعه أو منصبه!.

وعندما أُصيبت فى إحدى عينيها هذا الصيف، لأن طبيبًا أخطأ فى التشخيص، ازدادت يقينًا بأن الذين عاشت تدافع عن حقهم فى الحياة من آحاد الناس لا يزالون فى حاجة إلى الكثير من الدفاع منها ومن غيرها، ليكونوا آدميين إذا ما ذهبوا يطلبون خدمة عامة من الدولة!.

وهل هناك ما هو أهم من خدمة الصحة فى حياة أى إنسان، ثم خدمة التعليم من بعدها؟!.. إنهما الخدمتان العامتان الأساسيتان فى أى بلد.. بهما تُقاس آدمية الإنسان فى بلده.. وبهما وحدهما تقطع الأمم خطوات واسعة إلى المستقبل، أو تعود أميالًا إلى الوراء!.

وحين سقطت الدكتورة نوال على الأرض قبل أيام، حملوها إلى مستشفى حكومى شهير، فلما بقيت فيه ساعات طلبت أن يعودوا بها على وجه السرعة إلى بيتها القريب من المستشفى.. فالخدمة السيئة فيه على كل مستوى لا تليق بإنسان!.

فإذا كان هذا الإنسان هو نوال السعداوى، المعتزة بنفسها إلى أبعد مدى، كانت المعاناة مُضاعفة: مرة من قسوة المرض، ومرة من وطأة الإهمال!.

والمفارقة فى القصة كلها أن الدكتورة نوال دخلت المستشفى بمعرفة الدكتورة هالة زايد، وزيرة الصحة ذات نفسها، فما بالك بالمواطن الذى يدخل دون أن يكون وراءه وزير ولا خفير؟!.

سؤالى هو للدكتورة هالة، فهى الوزيرة المسؤولة.. والله تعالى سوف يسألها.
نقلا عن المصرى اليوم