بقلم : سحرة الجعارة 

 إن شئت أن ترسخ مفهوم «المواطنة» وتنشر «المساواة» بين الأقباط والمسلمين فليس هناك أى مبرر للإبقاء على مادة فى قانون «بناء الكنائس» تشترط موافقة «الأمن» على بناء الكنائس.. أما إن كنت تصدر تشريعاً على أرضية سياسية لإرضاء ما تصنفه (أقلية دينية) وتغازل به مشاعر الأقباط، فافعل ما شئت شريطة ألا تسلم أقباط مصر لمتطرفيها.

 
الواضح حتى الآن من اعتراض مختلف المهتمين بالشأن القبطى والحقوقيين والاتحادات القبطية لما تسرب من مواد القانون، أن القانون يمنع بناء الكنائس ويقيدها أكثر مما كانت عليه.. وهنا تصبح الفوضى بلا قانون أفضل من «المنع المقنن».
 
فالمعروف أن خلف كل فتنة طائفية (شائعة بناء كنيسة)، والقانون ملىء بالألغام والجمل المطاطة التى تجعل رفض المسئولين عن التصريح ببناء الكنائس (لدواعٍ أمنية) أقوى من أى قانون.. فبحسب نص المادة الخامسة، هناك: (ربط بين موافقة المحافظ على إصدار ترخيص بناء كنيسة، واستطلاع الجهات المعنية)، ولا تحسب أن أى محافظ سينحاز للقانون ويسلم رقبته للمتطرفين!
فى محافظة «قنا» رفض تيار الإسلام السياسى وظهيره السلفى تعيين اللواء «عماد شحاتة» محافظاً لأنه «مسيحى».. فأى محافظ هذا الذى سيسمح -ولا أقول سيحمى- ببناء الكنائس والأديرة؟
 
هل المحافظ الذى يحنى هامته للمتطرفين، ويعقد «جلسات عرفية» يتنازل فيها الأقباط عن حقوقهم ويقبلون بالنفى والتهجير بعد الحرق والسحل والتنكيل بهم.. عقب أى شائعة عن تحويل أى مبنى أو منزل أو أرض إلى دار عبادة للمسيحيين.. هو نفسه المحافظ الذى سيسهل إجراءات بناء أو ترميم كنيسة؟!
 
إذا كان الشعب ونوابه وحكومته يلتفون حول النص على الطراز المعمارى للكنيسة، فيأتى النص ليصفها بأنها: (مبنى داخل سور تمارس به الشعائر الدينية) دون أن يشترط أن يعلو المبنى صليب وقبة ومنارة بها جرس.. فهذا معناه أننا نصدر قانوناً يكرس الطائفية والعنصرية.
 
الدولة لا تعترف أصلاً بنسبة المسيحيين الحقيقية مقارنة بالمسلمين، لا تعترف بحقوقهم إلا على «أوراق التنازل».. لا تؤمن بأن «المواطنة» ثقافة عامة تقتضى أن يكون «الصليب» مرئياً دون مواربة فى كل مكان كما نسمع صوت الأذان فى كل وقت.
 
لا تدرك أنه كلما زاد تطرف مدعى الإسلام زادت الفتنة واحتمالات تفتيت المجتمع ولا رادع للفتنة الطائفية إلا بالوجود (الطبيعى) للأقباط بزيهم الكنسى وصلبانهم وأجراس كنائسهم.. فمتى تفهم الدولة أن مصر ليست «الفاتيكان» ولا «مكة»؟
 
فى أى دولة مدنية متحضرة لا يجلس الأطفال المسيحيون فى فناء المدرسة لتلقى دروس دينهم بينما زملاؤهم فى الفصول يدرسون الدين الإسلامى.. وقس على ذلك: أثناء مناقشة مجلس النواب لقانون بناء الكنائس ألقت قوات الأمن القبض على عدد من الأقباط فى قرية «أولاد إبراهيم»، التابعة لمركز أسيوط، بسبب صلاتهم فى أحد المنازل، الأقباط فى هذه القرية ليس لديهم كنيسة، ويصلون فى كنائس بالقرى المجاورة، وأقرب مكان للعبادة قريب منهم يبعد نحو 5 كيلومترات!
 
هى -إذن- سطوة السلفيين على منفذى القانون، وحين تقف الدولة فى خندق واحد مع التيار السلفى، وترسى قواعد «الاضطهاد الدينى»، فلا تسأل عن القانون!
 
فى مصر قانون ينظم بناء المساجد صدر فى عام 2002 لكن الدولة جمدت القانون بل منحت إعفاءات ضريبية على بناء المساجد.. وفى المقابل أوقفت الأجهزة الأمنية أعمال ترميم لكنائس حصلت بالفعل على تراخيص بالترميم، رغم أن قرار رئيس الجمهورية رقم 391 لسنة 2005 سمح بإجراء أعمال الترميم للكنائس بمجرد إخطار السلطات دون الحاجة لتصريح مسبق!
 
وقانون «بناء الكنائس» الجديد ما هو إلا إعادة إنتاج لشروط بناء الكنائس التى وضعها «العزبى» باشا (وكيل وزارة الداخلية فى الحقبة الملكية، الذى وضع 10 شروط لبناء الكنائس عام 1934، تتعلق ببعد الكنائس عن بعضها البعض، ومساحتها، وبعدها عن خطوط السكك الحديدية وترع وقنوات الرى، ووجودها بين مساكن المسلمين، وشروط أخرى).
 
حتى جلسات اللجنة التشريعية بـ«مجلس النواب» كانت -كالعادة- فاصلاً من (الكوميديا السوداء)، استُخدمت فيها ألفاظ خارجة ورش مياه وخلافه.. لأننا لا نصدق أننا «صناع الفتنة» بنوابنا وقوانيننا وإرادة الدولة الواهنة وحضورها الباهت!
 
المادة التى كانت مثاراً للخلاف بين النواب تتعلق بتحديد مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها على نحو يتناسب مع عدد السكان، وهى مادة غير دستورية تنسف مفهوم (المواطنة) من جذوره لنصبح أمام (مزاد سياسى) فى مجلس النواب تغلب عليه المواءمات والمساومات ومجاملة التيار السلفى.
 
إحدى صديقاتى ذهبت مع بعض أعضاء المجلس العسكرى (بعد ثورة 25 يناير) لاحتواء كارثة حرق وهدم كنيسة بقرية «صول» بمركز «أطفيح».. قالت لى إنها دخلت بيوت المسلمات وجلست تحاورهن وتسألهن عن سبب حرق الكنيسة، فقُلن لها: (هناك أعمال سفلية «أى شعوذة» تمارس ضدنا هناك)!!
 
تصور أن تنضم الدولة بمؤسساتها وتشريعاتها إلى حالة الهوس العقلى والدينى، وتنحاز للمتطرفين على حساب «الدين المسيحى».. وترفع راية «الأمن قبل الدين» لأنها تصر على اللعب على أرضية دينية لتظل تخسر دائماً!