سليمان شفيق

أسلمة قسرية:
معاناة المسيحيين في السودان لم تتوقف عند حدود التحريض علي القتل والقمع والاعتقال والتهديد والابتزاز ثم استهداف الكنائس بالمصادرة والاغلاق والبيع، بل وصلت لدرجة التأثير المتعمد من أجل أسلمة المناهج والتأثير علي معتقدات المسيحيين بل واجبار بعض تلاميذ المدارس علي اعتناق الاسلام عنوة من أجل السماح لهم بالجلوس والنجاح في امتحانات الشهادة الثانوية وبالتالي إيجاد الفرصة لدخول الجامعات واستكمال التعليم.

علي سبيل المثال، أضطر التلميذ “أيوب” يقطن مدينة الدامر بولاية نهر النيل للجلوس لامتحان التربية الاسلامية ضمن امتحانات الشهادة السودانية المؤهلة لدخول الجامعة رغم كونه مسيحيا نظرا لعدم اهتمام الوزارة بتخصيص حصص للتربية المسيحية أو توفير معلمين لتدريسها بالولاية. ويؤكد “ايوب” في حديثه ل (عاين) عبر الهاتف من الدامر أنه اضطر للجلوس لامتحان التربية الاسلامية التي تعد شرطا أساسيا لنيل الشهادة السودانية والتأهل للجامعة. ويؤكد أيوب أنه اضطر لذلك حتي لا يحرم من الدراسة الجامعية، مشيراً لنجاحه في امتحان التربية الإسلامية في نهاية المطاف واحرازه  نسبة %70.

أما والده فقال ل(عاين ) انه سمح لابنه بالجلوس لامتحان التربية الاسلامية مكرها عقب مشورته لرجال الكنيسة الذين وافقوا بذلك تحت الاضطرار. ” قمت بمشورة رجال دين مسيحيين قبل السماح لأبني بدراسة التربية الإسلامية وحفظ القرآن بغرض نيله الشهادة السودانية وفتح الباب أمامه لدخول الجامعة، ووافقت على الامر بعد ان وافق رجال الدين المسيحي على الخطوة".

وطبقاً للنظام الأكاديمي السوداني فإن الحصول على الشهادة الثانوية التي تؤهل الطالب للالتحاق بالجامعة تلزمه بالنجاح في مادة التربية الإسلامية أو التربية المسيحية وتعتبر أي من هاتين المادتين أساسية للقبول للإلتحاق بأي جامعة من الجامعات ويعتبر الراسب فيها غير مستحق للحصول على الشهادة الثانوية

ولكن حالة التلميذ “أيوب” لم تكن استثناء في مدينة الدامر إذ اضطر – حسب احصائية غير رسمية تحصلت عليها (عاين) – حوالي 40 آخرين من الطلاب المسيحيين في العام 2015م لدراسة التربية الإسلامية بمدينة الدامر نسبة لعدم وجود معلمين أو حصص للتربية المسيحية، وتكرر هذا الأمر  في ولايات اخرى خاصة التي توجد فيها نسبة قليلة من المسيحيين مثل ولايات دارفور بغرب السودان

وفي السياق نفسه يؤكد الخبير التربوي بكلية النيل اللاهوتية صمويل يوحنا أن إنعدام أساتذة التربية المسيحية وعدم وجود حصص ترتب عليه قيام حوالي 1000 طالب مسيحي بمناطق كمة والقولد وحلفا بالولايات الشمالية لدراسة التربية الإسلامية بدلاً عن التربية المسيحية

تمييز ممنهج:
وكانت التعديلات التي أجريت قسرا على المناهج التعليمية في البلاد، إحدى أهم أدوات القهر التي استخدمتها حكومة الإنقاذ منذ قدومها إلى السلطة بمشروعها الاسلامي الذي حاولت فرضه علي كافة المواطنين الذين يعتنقون ديانات مختلفة، لا سيما المسيحيين. وتم في هذا الإطار تغيير كل من السلم والمناهج التعليمية ضمن سياسات الأسلمة التي أتبعتها الحكومة السودانية حيث ترصد دراسات الكثير من أوجه التمييز ضد الدين المسيحي ومقرر تدريس المسيحية بل ومحاولة حذف حقيقة وجود الحضارة والدول المسيحية في تاريخ السودان القديم. اذ تم حذف أجزاء من المقرر السابق لتغيير المقررات على يد حكومة الإنقاذ كانت تشير إلى تاريخ دخول المسيحية للسودان ونشوء وتكوين الممالك المسيحية السودانية التي استمر حكم بعضها حتى تأسيس الدولة السنارية التي يطلق عليها السلطنة الزرقاء في العام 1504 م

وتورد دراسة أعدها الباحث التجاني الحاج بعنوان “مداخل لفهم العنصرية في المناهج التعليمية بالسودان “العديد من أوجه التمييز الديني الممنهج ضد المسيحية في المقررات الدراسية للمواد الدراسية المختلفة.وفي هذا الإطار يقول الأب فيلو ثاوس فرج في حديث لـ (عاين) ان الطلاب المسيحيين مظلومون في المناهج التعليمية والمقررات الدراسية في السودان. متسائلا ” لماذا في كل كتب المطالعة واللغة العربية لا نجد اي استشهاد بآيات من الكتاب المقدس في حين أن المنهج ممتلئ بالايات القرانية وفي اخر الامر تدرس هذه  الكتب للطلاب المسلمين والمسيحيين على حد سواء".

من جهته يشير الخبير التربوي بكلية النيل اللاهوتية صمويل يوحنا لوجود تأثيرات جانبية على الطلاب المسيحيين بسبب دراستهم للمنهج التعليمي الحالي الذي امتدت الأسلمة فيه حتى للكتب العلمية، الأمر الذي جعل الطالب (مشوش للغاية) طبقاً لقوله، وضرب مثلاً بأحد التجارب التي مرت عليه حينما كان يقوم بالتصحيح في إحدى أوراق الإمتحانات وكان على الطالب أن يجيب على الفراغ في آخر السؤال الذي يقول (ذهب يونان من نينوي إلى….) حيث جاءت إجابة ذلك الطالب بأنه (ذهب إلي المدينة المنورة) والتي تعتبر مدينة مقدسة لدى المسلمين، معتبراً في حديثه لـ (عاين) “أن ذلك نتيجة لسيطرة الفكر الإسلامي على المناهج الأمر الذي أحدث تشويشاً أو حتى إنتقال لمئات من الطلاب المسيحيين للإسلام".