خالد منتصر
لم أعرف حتى هذه اللحظة برغم كل ما درسته فى كلية الطب وما قرأته بعد تخرجى، ما هو اسم المرض النفسى الذى يصيب الأطفال الذين يحدفون الطوب على زجاج القطارات وهى تمر من أمام قراهم أو مراكزهم أو عزبهم؟!، هل هى سيكوباتية متأصلة وبذور زومبى وبوادر جنون مبكر؟، هل هى عنف لمجرد العنف؟، هل هى قلة تربية وسفالة؟.. ألف علامة استفهام تطل برأسها، ولا أعرف لها إجابة، نشوة فرح غريبة تتلبس هؤلاء الأطفال وهم بـ«يزألوا» الطوب، وينشّنوا على الزجاج وبالذات أدمغة الركاب، يصرخون هييييه عندما يصيبون الهدف مضبوط، يقفزون فرحاً عندما يفلح النيشان، يخرجون فى جماعات وفرق، يعرفون ميعاد مرور القطار على قريتهم، فيستعدون بالذخيرة الشيطانية، ثم يبدأ القصف المركز مع صافرة القطار، رأيتهم لأول مرة فى رحلة الكلية إلى أسوان، الرحلة كانت طويلة والشبابيك معظمها محطم، وبالسؤال قال لنا الكمسارى إنهم العيال ولاد.....، وعندما سألناه ومفيش مع العيال دى حل؟، كان الرد: «هنعمل لهم إيه ونجيبهم إزاى؟»، بالفعل شىء محير، إنه سلوك عصابى متخلف يحتاج حلاً استثنائياً خارج الصندوق، قرأت بيان وزارة النقل حول تلك الظاهرة، قدم حلاً ما زلت حائراً فى مدى جدواه وإمكانية تطبيقه، وكان الاقتراح الذى قدمه البيان أن القطار لن يقف عند تلك المحطة التى يحطم أطفالها زجاجه ويقذفونه بالطوب، بالطبع هناك حلول أخرى أكثر مرونة وواقعية وأتمنى إرسال مقترحات لكيفية التعامل مع هذه الظاهرة المخجلة التى أعتبرها عاراً وفضيحة وجريمة، ولكى تعرفوا أن الحكاية ليست مجرد لعب أطفال أو لهو برىء ويمر مرور الكرام، سأنشر بعض الاقتباسات من رسالة وصلتنى أمس من أحد أبناء البحيرة الذى فقد عينه بسبب طوبة طائشة وهو يركب القطار وضاع مستقبله بسبب تلك الرصاصة الطوبية الغادرة، يقول أ. م، ٣٣ سنة، ليسانس لغة عربية سأنشرها بلغته العامية، كما كتبها:

أنا عينى الشمال ضاعت بسبب الطوب اللى بيتحدف عالقطر ومعرفتش مين اللى رمى الطوبة، وعايش بعين واحدة بقالى فترة كبيرة وما عرفتش أعمل حاجة ولا خدت حقى، كنت أول يوم فى امتحانات الكلية سنة أولى، القطر ما كانش بيقف عندنا فى المحطة بتاع الساعة 9، وكان فيه واحد زميلى جاى ف القطار، فطبعاً لسه سنة أولى وبنتعرف على بعض بيسألنى بلدكم فين لسه بلف وشى علشان أشاور له عالبلد لقيت طوبة راشقة فى وشى وخبطت فى واحد بعدى كمان، طبعاً نزلت فى أول محطة القطار بيقف فيها وراح الامتحان وراحت السنة كلها، ورحت بقى المستشفى قالوا لى خلاص كده، واتحولت عالجامعة فى طنطا، والدى باع اللى حيلته وراح بيّا مستشفى مغربى، وبعد كل الجرى والمصاريف والسنة اللى ضاعت من عمرى عينى راحت، وبقيت بعين واحدة، حصل لى نزيف فى السائل الزجاجى وضمور فى العصب البصرى، كنت شغال حلوانى ودلوقتى عاطل.

انتهت قصة هذا الشاب البائس بسبب طوبة ضالة وطفل ضال لم يُحسن والداه تربيته، ولى رجاء عند الوزير المجتهد المخلص، كامل الوزير، أن يجد عملاً لهذا الشاب الذى فقد مستقبله ودُمرت حياته بسبب سلوك منحط، أى عمل فى هيئة السكك الحديدية يستطيع أن يستكمل بمرتبه خطوات حياته المقبلة.
نقلا عن الوطن