باتت أرقام جوائز الألعاب الإلكترونية مذهلة، فأكثر من 33 مليون دولار خصصت كجوائز لمسابقة ألعاب إلكترونية مقبلة، ويتنافس للفوز بها متسابقون من جميع أنحاء العالم، ولا يزال العديد منهم في سن المراهقة.

ويعيش هؤلاء المتسابقين تحت ضغط كبير فهم يعرفون أن الملايين من المشاهدين في جميع أنحاء العالم يراقبون كل خطوة يقومون بها.

ولا يخلو عالم الرياضة الإلكترونية من المنتقدين، بمن فيهم الأمير هاري الذي وصفها بأنها "تتسبب بالإدمان أكثر من المخدرات".

بيد أنها بالنسبة للاعبين الشباب الموهوبين، فرصة للانطلاق في صناعة تقدر قيمتها بمليار دولار تقريباً.

لقد أصبح كايل غيرسدورف، المعروف باسم بوغا، مليونيراً الشهر الماضي، وهو لا يزال طالباً في المرحلة الثانوية ولايتجاوز عمره 16 عاماً، ويعيش في بلدة صغيرة في بنسلفانيا.

وفي يوليو/تموز الماضي، حطم كايل الرقم القياسي وفاز ببطولة كأس العالم للعبة "فورتنايت" التي يُمثل مجموع جوائزها رقما قياسيا في تاريخ الألعاب الإلكترونية إذ يبلغ 30 مليون دولار. وكانت قيمة جائزة المركز الأول ثلاثة ملايين دولار، وهي أعلى جائزة للتنافس الفردي مُنحت في رياضة الألعاب الإلكترونية.

هذه الأرقام تبدو مذهلة، لكن هذه الأرقام القاسية سيتم تجاوزها هذا الأسبوع، فمجمل جوائز مسابقة "العالمي" ( TI) ، للتنافس على بطولة لعبة Dota 2 (دوتا 2) في شنغهاي في الفترة بين 20 - 25 أغسطس/آب، قد تجاوزت بالفعل مجمل جوائز "فورتنايت" عند كتابة هذا التقرير، ووصلت إلى أكثر من 33 مليون دولار.

بيد أن كسب هذا المال لن يكون سهلا.

"اختبار لا مثيل له"
يُعد أنوتشا جيراونغ، الذي يُعرف أيضاً باسم جابز وهو لاعب محترف من بانكوك في العشرين من العمر، وفريقه "فانتيك" من بين النخبة القليلة الآن التي تتدرب من أجل البطولة العالمية.

أخبر جابز بي بي سي أنه كان يمارس اللعب بالألعاب الإلكترونية منذ أن كان في الثالثة عشرة من عمره. وحتى عندما كان لعبه مجرد هواية، فإنه كان يلعب لمدة سبع ساعات تقريباً في أيام الأسبوع والأيام التي يداوم فيها في المدرسة، أما في عطلات نهاية الأسبوع، فكان يلعب لمدة 13 ساعة.

والآن، وبعد أن أصبح محترفاً، أصبح جدول أعماله أكثر كثافة وانشغالاً.

ويشرح جابز روتينه اليومي بالقول: "عادةً ما نستيقظ حوالي الساعة 10:00 صباحاً، وبعد أن نستحم ونتناول الغداء ننطلق مع الفريق إلى الاجتماع في العاشرة والنصف، تلي ذلك ثلاث مباريات تدريبية ضد فرق أخرى ثم تدور بيننا مناقشات مكثفة بشأنها".
ألعاب إلكترونية يمكن مشاركتها عبر تطبيقات المحادثات والدردشة على الإنترنت

ويضيف: "عادة ما نتناول عشاءنا في الساعة السادسة مساءً، ونتناول شطائر جاهزة "سندويتش" في الفترات بين المباريات التدريبية والمناقشة النهائية في حوالي الساعة العاشرة مساء، ثم ألعب بعض المباريات المصنفة جماهيريا لصقل مهاراتي أكثر حتى الواحدة بعد منتصف الليل".

أما داميان تشوك، وهو لاعب أسترالي يبلغ من العمر 26 عاماً، واسمه الذي يستخدمه في لعبة "دوتا 2" هو كبي، فلديه جدول أعمال مماثل لجابز.

أخبر تشوك بي بي سي أن أعضاء فريقه "مينيسكي" يتدربون معاً لمدة ثماني ساعات تقريباً، وبعد ذلك يمضي هو للعب ساعات أخرى بمفرده.

يقول جاك تشن الذي يدير فريقاً في بطولة هذا العام إن هذا ليس أمرا غير عادي، فمعظم المتنافسين "غالباً ما يلعبون من 8 إلى 16 ساعة يومياً".

ويضيف: "سنتنافس على أكبر جائزة في مجال الرياضة الإلكترونية في حدث يمثل القمة في هذه الرياضة".

ويوضح "هذا هو الحدث الذي يحدد من هم لاعبي دوتا ومهاراتهم ومسارهم المهني في اللعبة، ويُدخلهم في قلوب وعقول المشجعين إلى الأبد، ويختبرهم بشكل لا مثيل له أمام أفضل اللاعبين في العالم".
مصدر الصورة Getty Images
Image caption عشاق دوتا 2 يرتدون ملابس شخصيات اللعبة خلال البطولة العالمية 2014 في سياتل بواشنطن

"كل الأخطاء مرصودة "

يشكو تشن من الضغط النفسي خلال المسابقة قائلا: "على الرغم من أن المسابقة تمثل حدثا كبيرا ذا أثر بالغ يصل حد تغيير حياتك، إلا أن لها جوانب سلبية أيضا. فالمنافسة شرسة، وهذا يعني في بعض الأحيان أن الأمور تعبر الحدود من اللعب إلى العمل الجاد. و يجب على كل شخص التضحية وفعل أشياء كثيرة، وإلا فإنه لن يتمكن من التفوق والتحسن في مجال دائم التطور".

أضف إلى ذلك، ما توفره البطولة من مستوى شهرة وإدارك (لمنجز اللاعب المشارك) مفاجئين، فضلا عن ما يرافق ذلك من مراقبة عامة دقيقة لكل ما يفعله.

كتب تايلر إيرزبيرجر، وهو صحفي مختص بالرياضات الإلكترونية في الإذاعة الرياضية الأمريكية ESPN في العام الماضي، عن الانتقادات الشديدة التي يواجهها اللاعبون قائلا: عندما "تلعب على مسرح المسابقة، فأي خطأ ترتكبه سيكون عرضة لمراقبة كبيرة عبر ريديت وتويتر ومنصات الإنترنت الأخرى".

ووصف "مشهدًا مثيراً للقلق" في سلسلة بطولة لعبة ( Evolution) الإلكترونية، في أغسطس/آب الماضي، عندما تعرض المنافس البارز جاستن "بلوب" مكغاريث، لنوبة هلع على المسرح.

وأضاف: "ليس ثمة رياضة أخرى في العالم تكون فيها مراهقا تلعب بمفردك في يوم ما، وفي اليوم التالي تجد نفسك، لأن شخصا ما اكتشفك على الإنترنت، على خشبة مسرح المسابقة وعرضة لانتقادات الملايين".

ويكمل "تكاد تكون فترة الاستيعاب هنا ضئيلة أو معدومة، فلا توجد خارطة طريق لكيفية التعامل مع النقد".

ولا توجد حتى الآن دراسات واسعة حول المخاطر التي تتهدد الصحة العقلية في الألعاب الاحترافية، بيد أن العديد من الخبراء ربطوها أوليا (دون دراسات وحقائق راسخة تدعم ذلك) بحالات نفسية من أمثال القلق والإرهاق.


عمل الدكتور دوغ غاردنر، عالم نفس رياضي في كاليفورنيا، مع فرق "دوتا 2" التي تتدريب من أجل بطولة العالمي ( TI).

ويقول لبي بي سي إنه استنتج من خلال ما لاحظه، أن فترات اللعب المكثفة هذه يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية على جودة اللعبة أو صحة اللاعبين على حد سواء.

ويضيف أن "الناس سواء كانوا في دوتا 2 أو في بيئات أخرى، يعتقدون أن لعب المزيد أفضل. وأعتقد أنك بهذا تصل ذروة ما تفعله في لحظة (إذا استعرنا من علم الاقتصاد قانون الإنتاجية المتناقصة) تبدأ إنتاجيتك بالتناقص، أي أنك تتأثر إدراكيا وجسديا وعاطفيا وعقليا".

ويقول الدكتور غاردنر إنه عندما بدأ العمل مع فريق "دوتا 2" في الفترة التي سبقت دورة العام الماضي من بطولة "العالمي" في فانكوفر بكندا: "كان أعضاء الفريق يتشاجرون مع بعضهم وكانوا بطيئين، ويلعبون بطيش حتى الصباح الباكر".


ويضيف: "كان نشاط يومهم ينقسم بشكل أساسي: الأكل والنوم واللعب وإعادة اللعب. وأنا شخصياً لا أعتقد أن أي شخص سيتحسن في أدائه في الساعة الثانية أو الثالثة أو الرابعة فجرا ".

وقد وضع غاردنر روتيناً جديداً طلب من اللاعبين الشباب اتباعه، بعد أن رآهم يطورون عادات قد تكون مضرة، وقد استوحى ذلك من عمله مع لاعبي كرة القدم والبيسبول الأمريكيين المحترفين.

وبدلاً من الاستيقاظ في وقت الغداء والبدء فورا بلعب "دوتا 2"، كان على أعضاء فريقه الاستيقاظ في الساعة التاسعة والنصف صباحاً، والاستعداد للذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية في العاشرة، ثم اللعب لمدة ست ساعات بدءاً من الساعة 12 وحتى السادسة مساء. وأصبح لديهم فجأة وقت حر في الأمسيات ليقضونه كما يحلو لهم.

واكتشف غاردنر أن الفريق أصبح أكثر سعادة وبصحة أفضل وباتوا يعملون بتناسق أكبر، فضلا عن تحسن أداءهم أكثر عند خوضهم مباريات اللعبة الفعلية .

لا شك أن ثمة تناقضات تكتنف واقع ممارسة الألعاب الإلكترونية، إلا أن غاردنر يأمل في أن تبدأ الفرق في التركيز على "الممارسة النوعية وليس الكمية" في المستقبل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذه الرياضة ما زالت ناشئة نسبيا.
مواضيع ذات صلة