محمود العلايلي
يعتبر الكثيرون أن الإصلاح الاقتصادى عبارة فقط عن مجموعة من القرارات الاقتصادية، والخطوات السياسية الملازمة لذلك، بينما إذا نظرنا إلى المنظومة الاقتصادية بشكل شامل سنجد أن ذلك منوط بعدة أطراف شريكة فى العملية الاقتصادية، يكون الطرف الأول فيها المشرع والمنظم ممثلا فى الدولة، ويمثل الطرف الثانى المؤسسات المنفذة مثل الوزارات المعنية، والهيئات الاقتصادية مثل البنوك والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى أصحاب الأعمال وكبار المصنعين والمزارعين والتجار، بينما تكتمل المنظومة بالطرف الثالث، وهم المواطنون.

وكما تحتاج المؤسسات السياسية والاقتصادية التأهيل والإعداد اللازم لعملية الإصلاح الاقتصادى، فمن الأدعى أن يحتاجها المواطن العادى لعدة أسباب، منها أنه العامل والفلاح والموظف والجندى والمهنى الذين سيتولون العمل فى هذه المنظومة، والأهم أن هذه الفئات هى المعنية بالإصلاح الاقتصادى، وهم المتأثرون بنتائجه الإيجابية على المدى البعيد، وهم الذين سيعانون من آثاره المؤلمة على المدى القصير والمتوسط، ولذلك يجب ألا يقتصر الاهتمام بالمواطن بتعريفه فقط بالإصلاح وطرقه مثل المتبع مع المؤسسات الاقتصادية، ولكن بتأهيله وإعداده لتقبل هذه القرارات، ثم الدفع به ليكون من العوامل الإيجابية للعمل بها، والوصول لمرحلة الإثمار والنجاح.

ولا يكون هذا فقط باستخدام وسائل الإعلام التقليدية من الإذاعات والتليفزيون، أو الصحف المطبوعة، ولكن يجب الالتجاء إلى منصات التواصل الاجتماعى، والوصول بشكل مباشر إلى المواطنين المستهدفين، وقد يحتاج هذا النوع من التواصل مجموعات من الكتائب الإلكترونية محملة برسائل معدة سلفا بأكثر من طريق لفئات مختلفة، أولا لشرح الرسالة والهدف، وثانيا للوقوف ضد محاولات مهاجمة الفكرة والنيل من قدرة المواطنين على احتمال قسوة المراحل الأولى من الإصلاح.

وفى الحالة المصرية يجب على الإدارة السياسية أن تكون فى غاية الوضوح فيما يتعلق بهذه المسألة، وأولى مراتب الوضوح هى المسميات، أى يجب أن يواجه المواطن أننا فى تحول اقتصادى من «نظام اشتراكى» إلى «نظام رأسمالى»، دون أى نوع من محاولة تغيير الألفاظ أو التلاعب بها، بتأثير أدبيات نظام ثورة يوليو وخطب جمال عبدالناصر، كما يجب العمل على تخليص النظرة إلى النظام الرأسمالى من السخافات الموروثة التى حولت كل أصحاب الأعمال إلى مستغلين وفاسدين، والتأكيد على تنزيه العقل الجمعى من خيالات الارتباط الشرطى بين الفقر والشرف على جانب، وبين السعة والفساد على الجانب الآخر، وبالتالى يقوم النظام الاقتصادى على أسس سليمة، على المستوى الاقتصادى والقانونى والاجتماعى، مع عدم الانسياق الساذج للتاريخ المبتذل لبعض الأمثلة الانتهازية فى العهود الساداتية واعتبارها مثالا للنظام الرأسمالى المرتجى.

ومن النقاط المهمة التى يؤثر فيها النظام الرأسمالى لدى المواطن أنه يؤسس لفكرة المسؤولية الشخصية والاعتماد على النفس، ففى الوقت الذى تتحمل فيه الدولة مسؤولية إتاحة التعليم الأساسى والرعاية الاجتماعية وسن القوانين وتنفيذها، يتحمل المواطن مسؤولية رعاية أسرته والقيام على مستقبل أبنائه، وفى هذه الحالة سوف نجد بشكل تلقائى أن الدولة ليست فى حاجة إلى أى دعوات أو حملات للحد من الإنجاب أو تنظيمه، والمهم أيضا هو دفع المواطنين للعمل الخاص، خاصة على مستوى المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، بأن نوصل إلى أذهان المواطنين أن المشاريع الرأسمالية ليست بحجمها ولكن بطريقة تكوينها وأسلوب إدارتها، ليدرك المواطن أن الورشة ومحل البقالة وتربية الدواجن وسيارة الأجرة كلها مشروعات رأسمالية تحمل رسالة للجميع أن فى هذا النظام «لا يأكل إلا من يعمل»، وبذلك تسود العدالة الاجتماعية بتكافؤ الفرص، ويتفرد من يتحلى بالموهبة والدأب والمثابرة على العمل، فى عالم لا مكان فيه للكسالى والمتواكلين، ولا لمحترفى الثرثرة والشكوى، أو التعزى بسوء الحظ والظلم الإلهى.
نقلا عن المصرى اليوم