هاني لبيب
الشك والتخوين هما الإطار الأساسى الذى حكم علاقة المجتمع المدنى والدولة لسنوات عديدة مضت، خاصة مع القانون رقم 70 الذى صدر فى 24 مايو 2017، فضلًا عن ما ترتب عليه من تشويه صورة مصر والتشكيك فيها، باعتبارها ضد عمل الجمعيات وحرياتها، الأمر الذى يتعارض مع دور المجتمع المدنى عالميًا، والمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بالحقوق والحريات.

خلال منتدى شباب العالم فى 2018 طلبت المشارِكة «يوستينا ثروت» من الرئيس إعادة النظر فى القانون، فجاء تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسى للحكومة بتعديل قانون الجمعيات، وأخيرًا أقر مجلس النواب فى شهر يوليو 2019 بشكل نهائى قانون الجمعيات الأهلية الجديد المقدم من الحكومة بعد جلسات نقاش عديدة بين سنة 2018 و2019.

يُعتبر القانون الجديد استجابة فعلية للعديد من المطالب والملاحظات السلبية على قانون 2017 لفضه الاشتباك المستمر بين الحكومة والمجتمع المدنى من جهة، ولأنه يتجاوز فكرة العمل الخيرى للجمعيات والمنظمات إلى المشاركة فى التنمية كدور مكمل للدولة، وليس موازيًا لها أو بديلًا عنها، كما أنه يتسق مع المادة 75 من الدستور التى تنص على أن «للمواطنين حق تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية على أساس ديمقراطى، وتكون لها الشخصية الاعتبارية بمجرد الإخطار. وتمارس نشاطها بحرية، ولا يجوز للجهات الإدارية التدخل فى شؤونها، أو حلها أو حل مجالس إداراتها أو مجالس أمنائها إلا بحكم قضائى، ويحظر إنشاء أو استمرار جمعيات أو مؤسسات أهلية يكون نظامها أو نشاطها سريًا أو ذا طابع عسكرى أو شبه عسكرى».

من مزايا القانون الجديد الذى يعد خطوة متقدمة وغير مسبوقة بالمقارنة بالقوانين السابقة أن تسجيل الجمعيات يكون بالإخطار فقط.

.. ومع عدم جواز وقف نشاط أى جمعية أو حل مجلس إدارتها إلا بحكم قضائى، والرد على طلب الموافقة على التمويل خلال 60 يومًا كإطار زمنى لتيسير عمل الجمعيات.

يمثل القانون الجديد خطوة حقيقية فى طريق تحرير عمل المجتمع المدنى مؤسسيًا وقانونيًا وعدم التدخل فى عمله، وعدم وجود عقوبات سالبة للحريات، وعدم التعطيل الإدارى لمسار عمل الجمعيات، وضبط نظام التبرعات والتمويلات من خلال تنظيم إدارة أموال الجمعيات الأهلية تحت إشراف البنك المركزى ومتابعته. وهو ما يعنى زيادة مساحة الحرية مع مراعاة الأمن القومى المصرى لوقف فوضى التمويل ومنع تسرب التمويل للجماعات الإرهابية.

ما وصلنا إليه من خلال قانون الجمعيات الأهلية الجديد هو جهد محسوب بالدرجة الأولى على جهود منظمات المجتمع المدنى وجمعياته، واستجابة الحكومة لمتغيرات العصر، على أن يظل الاختبار الحقيقى هو مدى توافق اللائحة التنفيذية المنتظر صدورها مع تلك الخطوة المتقدمة فى بناء مسار حقيقى متوازن لعمل المجتمع المدنى.

نقطة ومن أول السطر..
لا أجد أى تفسير فى عدم الاحتفاء والاهتمام الإعلامى الكافى بالقانون الجديد للجمعيات الأهلية، الذى يعتبر نوعًا من إعادة مناخ الثقة بين الحكومة والمجتمع المدنى وتشجيع عمله.

المجتمع المدنى الشريك الحقيقى والمكمل لدور الدولة فى التنمية المجتمعية.
نقلا عن المصرى اليوم