فصل من كتاب: قراءة فى واقعنا الكنسى ـ شهادة ورؤية - 2015
كمال زاخر
لا يمكنُ التعرض للّحظة المعاشة دون أن نقتربَ بموضوعية من منظومة الرهبنة، ماهيتها وطبيعتها، وتطور علاقتها بالكنيسة، كيف تحولتْ من مبادرة "علمانية" لم يكن للكنيسة دورٌ مباشرٌ فى تأسيسها، إلى قيادة الكنيسة، رغم حرص مؤسسوها على أن يحتفظوا بمسافة بينهم وبين الكهنوت، منذ لحظة ولادتها، وعلى امتداد قرون، ولهذا نقرأ عن "قس الإسقيط"، وهو مصطلحٌ يشير إلى أن الجماعات الرهبانية وقتها لم تكن تضم رتباً كهنوتية، فاستلزم الأمرُ توفيرَ أحد الكهنة لممارسة الأسرار الكنسية لهم وبخاصة سر الإفخارستيا، على فتراتٍ متباعدة.

ولم يحصلْ مؤسسُ الرهبنة القديسُ انطونيوس على أية رتبة كهنوتية رغما من الدور الخطير الذى لعبه فى مساندة الكنيسة عندما تفجرتْ أزمة اريوس التى سيطرت على الشارع المسيحى عامة والقبطى منه خاصة، حتى صارت خبزَ يوم المصريين، يتداولونه فى محافلهم وأسواقهم، ومنتدياتهم، وفيما ينهمك البابا اثناسيوس فى ادارة معركته فى مجمع نيقية، يترك الراهبُ المصرى انطونيوس صومعته وينزل الإسكندرية يشرح ويفسر ويدعّم إيمان الكنيسة، ويحميه من الإنحراف وينتصر للّاهوت الإبن الأزلى الأبدى، وعندما يعود البابا البطريرك يسعى للقديس انبا انطونيوس ويطلب اليه ان يبقى بجواره لكنه يرفض عائداً إلى قلايته، فيختار البابا اثنين من تلاميذ مؤسس الرهبنة لينضموا الى طاقم مساعديه، وتتسلل الرهبنة بنعومة للكنيسة، ثم تقفز الى صفوف القيادة، لتصبحَ المصدرَ الوحيدَ لكوادر القيادة، وفى لحظات التراجع تنفجر الإشكالياتُ وتجد الصراعاتُ موقعاً فى المشهد الكنسى.

وتزداد الأمورُ تعقيداً عندما يخفتُ صوتُ التسليم الآبائى وتختفى التلمذة. وتقفز الأسئلة الأثيرة مجدداً؛ كيف ولماذا وما الحل؟.

تجرى فى نهرِ الكنيسة والوطن مياهٌ كثيرة، وتعيشُ الكنيسة بالقصور الذاتى، بقوة دفع الموروث الطقسى والتراث الآبائى وإن خَفُتَ، ويتوالى على مصر رهطٌ من الحكام من خارجها، لتدخلَ فى نفقٍ مظلمٍ مع الحلقة الأخيرة منهم مع الدولة العثمانية، وتشهد واقعاً ملتبساً وقتها؛ كان الحكمُ الرسمى آنذاك للعثمانيين الأتراك بينما كان الواقعُ والشارع فى يد المماليك بكل بطشهم ونهمهم وصراعاتهم البينية، وبينهما يقاومُ الأقباط مخاطرَ الذوبان أو الإندثار، فيحتمون بالعمل الخاص والتفوق فى دوائر الإدارة والحسابات، والحرص على تعليم ابنائهم، كدأب الأقليات وسيكولوجيتهم، يدعمهم فى هذا منظومة قيمهم التى تقولُ بها المسيحية، فكان ان احتفظوا بموقعهم المجتمعى، بل وصاروا صمام أمان له فى مواجهة محاولات الحكام على تنوعهم لتفكيك الوطن.

على الرغم من الدور الحيوى والمحورى للرهبنة إلا أنها صارتْ محملة بتساؤلاتٍ عن واقعها واتساقه مع نذورها وهدفها، واختلالات الطريق، واستقلاليتها، بل وتنوع مدارسها، وهل كبلتها توجهاتُ القولبة. وتعود الأسئلة لتقفز مجدداً كيف ولماذا وما الحل؟.

كانت الأديرة حتى منتصف القرن العشرين نسياً منسياً، تحتل مواقعَ بعيدة عن العمران، وكان التواصلُ معها يحول دونه وعورة الطرق وانعدامُها فى بعض الأحيان، ورغمَ كنوزها اللاهوتية والأدبية، والتى تعرضت لنزحٍ متواتر من المستشرقين، فى استغلالٍ لبساطة قاطنيها، ولتصبح زاداً ومصدراً للتوثيق والتأريخ وتؤسس لدراساتٍ لاهوتية، فى الجامعات الغربية، تنعمُ بها الإنسانية، ويستمر نورُ المسيحية مشرقاً على العالم باتساع الجغرافيا وعلى امتداد التاريخ والزمن، إلا أن الأديرة فى هذه الحقبة لم يكن لها دورٌ فاعل فى الخدمة الكنسية، إلا فى اختيار الآباء الأساقفة والبطاركة منها بحسب ما استقر فى تقاليد وطقوس وترتيبات الكنيسة.

لكنها تشهدُ تحولاً جوهرياً عندما ينتصفُ القرن العشرين، فيقصدها نفرٌ من خريجى الجامعة وأن إختلفت مراميهم وتوجهاتهم، يقصدها شابٌ سكندرى ـ يوسف اسكندر ـ تخرج فى كلية الصيدلة وباشر عمله ترتيبا على تخصصه فى صيدليته بدمنهور، لكنه يقع فى حب الكتاب المقدس ويبحث عن مناخ يتيح له فكَ اسراره ليعمِّق صلته بمصدره، لينتهى به الأمرُ راهباً بعد خيارات عديدة تبدأ بدير الأنبا صموئيل المعترف بمغاغة بالمنيا وتنتهى فى مرحلتها الأولى بدير السريان ـ 1948ـ بوادى النطرون ونعرفه فيما بعد باسم الأب متى المسكين، وتتصاعد الأحداث فى حياته، وينطلق الأب متى المسكين ـ1960ـ فى مرحلة ثانية، إلى مغائر وادى الريان التى شهدت رهبنة الأنبا مكاريوس السكندرى فى القرن الرابع الميلادى، ويمكث بها تسع سنوات ومنها فى مرحلة ثالثة وأخيرة، يقصد دير انبا مقار بوادى النطرون بعد مصالحة أبوية مع القديس البابا أنبا كيرلس السادس بسعى حثيث من القمص صليب سوريال ودعم من الأنبا ميخائيل مطران اسيوط ورئيس الدير آنذاك، 1969.

لحظتها كان دير "أبو مقار" يعانى من الشيخوخة، يقطنه بعضٌ من شيوخ الرهبنة البسطاء، يحوطه الإهمال وتنهش فى أبنيته عوامل الزمن، فيشرع الأب متى المسكين ومن معه من الشباب الذين رافقوه فى رحلته هذه فى إعادة إعمار الديرِ العتيق، وفى توازٍ يواصلُ سعيه لكشف كنوز الكنيسة ويتواصل مع آباء الكنيسة الأولى، ويؤسس لبعث المدرسة اللاهوتية ويمد خيوطها لتتلامسَ مع مدرسة ، التى كانت قد إنتقلت بعد إغلاقها الى نفس المكان، قبل قرون.

غير بعيد، 1954، تشهد دروبُ الصحراء قدومَ وافدٍ جديد من نفس الجيل، شابٍ آخر ـ نظير جيد ـ تخرَّج فى كلية الآداب جامعة فؤاد الأول ـ القاهرة ـ يقصد الرهبنة بعد تجربة ثرية فى الإشتباك مع الإشكاليات الكنسية، ويقاوم إختلالاتها، ويحمل حمية القديس بطرس الرسول وغيرة رسول الأمم القديس بولس، ويترجم أفكاره على أوراق وصفحات مجلة مدارس الأحد، فى جسارة وقوة، تترامى الى مسامعه تجربة الأب متى المسكين، فيلحقه فى دير السريان، ونعرفه فيما بعد باسم الراهب انطونيوس السريانى، ويخرج معه من الدير حين يصيبه الضجر، ويعلن أن الرهبنة إختيارٌ ومعلم، وليست مكاناً وقيوداً (1)، حتى إلى دير الأنبا صموئيل المعترف، 20 يوليو 1956، ثم يبادر بالعودة منفرداً الى دير السريان، بينما يقصد الأبُ متى ورفاقه مغائر وادى الريان.

كانت البداياتُ تنبئ بولادة كيانٍ تنويرى بجناحَّى البحث والحراك على الأرض، لكن ما حملته السنينُ كان صادماً، وتحول التنوعُ إلى تحفز واخترقه شكلٌ من اشكال الإحتراب.

كان همُ الإصلاح الكنسى يسيطرُ على ذهن الراهب الأب انطونيوس السريانى، واستقر عنده أن الطريقَ الوحيد لهذا الإصلاح لا يمكن أن يَعبُر بعيداً عن القيادة الكنسية، فى منظومة هرمية مركزية عتيدة، خاصة بعد فشل تجربتين حاولتا اختراق جدار الكنيسة، فى اتجاه الإصلاح، على المستوى المؤسسى، وقاد المحاولتين العلمانيون، كانت الأولى حين بادر شبابُ مدارس الأحد بترشيح الأستاذ حبيب جرجس لموقع مطران الجيزة ـ 1949 ـ تأسيساً على أنه خادمٌ لا يُشق له غبارٌ تتَّلمذ على البابا الأنبا كيرلس الخامس، ويشغلُ موقعَ عميد الكلية الإكليريكية، وبتولاً، وتقليد الكنيسة يسمح بذلك، لكن قيادات الإكليروس تكتلوا ضد هذا الترشح، ونجحوا فى إبعاده، خشية أن يتحولَ إلى سابقة يقاس عليها.

كانت التجربة الثانية حين قامتْ جماعة الأمة القبطية بالتسلل الى الديوان البطريركى والزام البابا انبا يوساب بالتوقيع على وثيقة تنازل عن البطريركية والخروج به الى دير للراهبات بمصر القديمة ـ يوليو 54 ـ وقت ان كانت البلاد مشغولة بالإحتفال بمناسبة الذكرى الثانية لثورة يوليو، ينتهى الأمر بتدخل الدولة واعادة البابا، ثم يتم حلُ جماعة الأمة القبطية فى سياق حل الجمعيات والأحزاب بجملتها.

كان الدرس المستفاد أن التغيير فى الكنيسة لا يأتى من الخارج، وأن طريقه لابد أن يعبر بالمجمع المقدس، والذى يتشكل من الآباء الرهبان حصرياً، فيكون الديرُ هو نقطة الإنطلاق الصحيحة باتجاه منظومة القيادة.

ربما لهذا كان توجهُ نظير جيد للرهبنة عشية أحدِ أيام يوليو 54، غيرَ منقطع الصلة بتطورات الأحداث آنذاك، أو ما وقر فى ذهنه فى هذا السياق، مع التأكيد على أنه لم يكن واحدا من أعضاء جماعة الأمة القبطية بحسب تأكيد مؤسسها الدكتور ابراهيم فهمى هلال فى أحد لقاءاتى معه.

مثلت رهبنة نظير جيد نقلة نوعية فى مسار الرهبنة القبطية، فقد تمكن فى سنواتٍ قليلة أن يستحوذَ على ثقة وحب أسقف الدير ـ الأنبا ثيؤفيلوس ـ فيسند له إدارة ومسئولية مكتبة الدير، التى تحوى مخطوطاتٍ بلا حصر وأمهات الكتب الآبائية، وتصادِف عنده شغفاً بالقراءة، وتبنى تكوينه المعرفى.

ويبادر ومعه بعضُ من شباب الرهبان، كان أبرزهم الأب متى المسكين والأب مكارى السريانى (2) ، بالترشح للكرسى البابوى الذى شغر برحيل الأنبا يوساب ـ1956ـ الأمر الذى أقلق وأزعج قيادة الثورة وهم من نفس الجيل، وفى أغلبهم من أصولٍ دينية متريفة، خشية أن يتواجهوا مع شباب الكنيسة، وبالتوازى لم يسترح شيوخ المطارنة للقادمين الجدد، فى سياق المصادمة الجيلية الطبيعية، واجتمعت الإرادات لتتفق على الحيلولة دون وصول الشباب الى الكرسى البابوى، من خلال تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك لتصدر 1957 وضمن شروطها ألا تقل مدة الرهبنة عن 15 سنة والسن عن 40 عام، ويخرج الشباب فى التصفيات المبكرة لعدم إستيفاء الشروط الجديدة، فيسارع الراهبان مكارى وانطونيوس السريانيان بالدفع باسم الراهب مينا المتوحد فى قائمة الترشح، بدعم من بعض الأراخنة الأقباط، ليصبح البابا كيرلس السادس، 1959، ويختار كلاً من الأب مكارى السريانى والأب انطونيوس السريانى ضمن طاقم سكرتاريته (3)، ثم يقوم برسامتهما اسقفين، 1962، الأول بسم الأنبا صموئيل اسقفاً للخدمات، والثانى بسم الأنبا شنودة اسقفاً للتعليم.

هنا تنفتح أذهانُ الشباب على الرهبنة، وينفتح الطريقُ إلى الأديرة، يعود وهج الأديرة ليشاغل الذهنية القبطية، ويتقاطر طالبو الرهبنة من خريجى الجامعات على الأديرة، تأسياً فى بعضها بنموذج نظير جيد. خاصة بعد أن صار لنيافة أسقف التعليم إجتماع اسبوعى بأروقة الكلية الإكليريكية، مفتوح لمن يرغب الحضور من غير طلبة الكلية، ويجد الناسُ فيه متحدثاً مختلفاً عن السائد فى أنماط العظات، التى كانت تنحى باتجاه اللغة العربية الفصحى المحتشدة بالبلاغة والشعر والمحسنات البديعية، بقدر يعوقها عن التواصل مع القاعدة العريضة من المتلقين، فإذا بهم أمام متحدث يخاطبهم بلغة بسيطة لا تفتقر للعمق، ولا تتخلى عن فصاحتها حتى ولو تلامست مع العامية، وقد اختار فى بدايات اجتماعه الإسبوعى ان يطرق باب مزامير صلوات الأجبية التى تجد صدى عند المتلقى، فإذا باجتماعه ينمو بشكلٍ متسارع لا تستوعبه قاعاتُ الإكليريكية فينتقل الى القاعة اليوسابية فيها ثم الى الكنيسة المرقسية بالبطريركية القديمة، ثم الى الكاتدرائية الجديدة ـ آنذاك ـ فى الدور الأسفل، وتنتقل بعد تجليسه بطريركاً إلى الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية.

ويصبح اسقفُ التعليم نجماً فى سماء الإعلام وفى اوساط الشباب، ويتعرف المجتمع المصرى عليه عن قرب، عندما يلقى محاضرة ـ يونيو 1966 ـ فى نقابة الصحفيين بوسط العاصمة عنوانها "اسرائيل فى رأى المسيحية" ويصعد نجمه الى عنان السماء.

ويتزايد اقبالُ الشباب بشكلٍ متنامٍ على الرهبنة وإن تباينت الأسباب، بخلفيات سياسية واجتماعية واقتصادية، وعندما يصعد أسقفُ التعليم إلى الكرسى البابوى يتوالى رحيلُ الآباء المطارنة بحكم السن فيبادر قداسته بتقسيم ايبارشياتهم المترامية الأطراف، ورسامة اساقفة شباب، وتجلس مدارس الأحد معه على الكرسى بحسب تعبيره.

وفى خطوة تؤكد امتلاكه لرؤية محددة فى إدارة الكنيسة بحسب تصوره، يقرر عودة المجلس الملى الذى تم تجميده فى عصر البابا كيرلس، وتطرح قائمة من الموالين لقداسته وتنجح فى الوصول الى عضوية المجلس باكتساح، وبين توسعات رسامات الأساقفة الشباب وتشكيل المجلس الملى يُحكِم البابا قبضته على موقعى اتخاذ القرار الكنسى.

كانت المرحلة خارج الكنيسة تموج بالحراك الثورى، وهاجس العدالة الإجتماعية يخايل الطبقات المطحونة والشباب المتطلع لحياة أفضل، وظهور المدارس اليسارية المنحازة للطبقة العاملة والفقراء، والتى كانت غيرَ بعيدة عن الهوى المسيحى، وقيم المسيحية، الأمرُ الذى ألقى بظلاله على الإقبال المتزايد من الشباب الجامعى على الرهبنة، ولم تكن الإرتباكاتُ الإقتصادية والتحولات التى تشهدها مصر، وما استتبعها من ضغوط على الشباب فى فرص العمل، او التحقق المجتمعى بعيدة عن بعض من قصدوا الرهبنة، وبرز داخل الأديرة تطورٌ لمفهوم "عمل اليدين" النسق الذى أسسه الأنبا انطونيوس مؤسس الرهبنة فى القرن الرابع، والذى يقضى بأن يكون لكل راهب عمله فى الدير، لسببين؛ حتى لا يصاب بالضجر لرتابة اداءات اليوم، وليكون مكتفياً، يسدد احتياجاته البسيطة والمعيشية، ثم يكلف الدير واحداً أو أكثر من رهبانه بالنزول الى المدينة لبيع منتجات الرهبان، وشراء احتياجات الدير والرهبان.

كان وجود التخصصات المهنية والعلمية بشكلٍ مكثف فى الأديرة دافعاً لتطوير "عمل اليدين" ليتحول إلى استصلاح الأراضى حول الدير، ثم مع النجاح الذى حققه هذا الإتجاهُ تتطورُ فكرة التسويق، ثم التصنيعِ الزراعى لتتحول الأديرة الى وحداتٍ منتجة زراعياً صناعياً، وتصبح مراكزَ اقتصادية، وترتب تحولاً فى الأثقال الكنسية.

وتبادر الكنيسة بتعميم رسامة اسقفٍ لكل دير، لتصبح الأديرة تابعة بشكلٍ مباشرٍ للمجمع المقدس، ويصبح البابا هو الرئيس الأعلى للرهبنة والأديرة، وهو الأمرُ الذى يغيب عن اطراف متداخلة فى أزمة وادى الريان، وفى قراءة أخرى يمثل هذا جزء من مشكلة الرهبنة يقيد انطلاقها الذى يرتبط بكونها حركة علمانية بالأساس لا تخضع لقيود مؤسسية تراتبية.

ونتوقف مجدداً أمامَ تقييم التجربة، ماذا عن شيوخ البرية، وهل كانت الرساماتُ المتتالية وراء اختفائهم، ومن ثم هل نضبت فكرة التلمذة، وكيف صار الكهنوت حقاً ثابتاً ينتظره الراهب وفق قائمة انتظار بترتيب أقدمية القبول فى سلك الرهبنة، حتى صار تجاوز أحدهم عند حلول دوره بمثابة عقاب، وماذا عن واجبات الراهب الروحية، وقصر اعتراف الرهبان على رئيس الدير، وتداعيات ذلك على سلام الدير ونمو القامة الروحية. لماذا وكيف وما العلاج؟. اسئلة تحتلُ مكانها ولا تجد إجاباتٍ واضحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هوامش :
1 ـ كتاب (أبونا متى المسكين ـ السيرة التفصيلية )، وادى النطرون دير القديس أنبا مقار 2008 ، ص137 ـ 138 (ولما وصل أنبا ثاوفيلس إلى دير السريان (وكانوا نحو 13 راهباً) ، فانزعج جداً وحاول أن يثنيهم، فقالوا له "نحن رهبان نسير وراء أبينا الروحى" وقال له أبونا أنطونيوس (قداسة البابا شنودة فيما بعد) : "ياسيدنا الرهبنة ليست أسواراً ولا حدائق ولا أكلاً وشرباً، فالأب ترك الدير ونحن ماذا نفعل فى الدير؟، إننا نسير وراء الأب الذى يقودنا ويرشدنا".

2 ـ سامى عزيز تخرج فى كلية الحقوق 1942 ، دبلوم الكلية الإكليريكية 1944 وعين مدرساً بالاكليريكية حتى 1946، ثم ترهب على يد الأب مينا المتوحد (البابا كيرلس فيما بعد) بدير انبا صموئيل المعترف بمغاغة بالمنيا ـ 1948 ـ بإسم الراهب مكارى الصموئيلى، الذى ارسله لدير السريان 1950 ليتغير شكله الرهبانى بيد اسقف الدير انبا ثيئو فيلوس ويصبح الأب مكارى السريانى.

3 ـ بحسب رواية الأستاذ الدكتور حنا يوسف حنا الصديق الشخصى للبابا كيرلس، فى لقاء شخصى لى معه، أنه هو الذى اقترح على البابا اختيارهما ضمن سكرتاريته، رداً على مساندتهما له فى رحلة ترشحه للكرسى البابوى، ثم اقترح عليه فيما بعد ـ 1962 ـ رسامتهما اسقفين عموميين.