د. مينا ملاك عازر
 
إبان ثورة يوليو وما قبلها، كان للحكومة المصرية مقران أحدهما في القاهرة وآخر صيفي في الإسكندرية، وكان وقتها الاقتصاد المصري قوي والجنيه بأربع دولارات أمريكية، وجنيه الذهب بتسع وتسعين قرش من الجنيه الورقي، وربما أقل، ولكن الثورة المجيدة وتقشفا منها وتحاشيا لنوبات الرخاء والرفاهية، أوقفت مثل تلك الأمور من انتقال الحكومة للمقر الصيفي وما يتبعه من اعباء مالية، كما كان الملك نفسه ينتقل لقصر رأس التين والمنتزه وما إلى ذلك.
 
أما والآن والدولار بسبعة عشر جنيه مصري، والديون الخارجية تجاوزت حاجز الثمانية وثمانين مليار دولار، والدين الداخلي تجاوز حاجز النصف تريليون جنيه تقريباً في سابقة لم تحدث في تاريخ مصر، كما أن البنزين الذي كان بقروش بقى بثماني جنيهات وحرر سعره، يعني كل كم شهر سيرتفع، ولأننا في بلد اللي بيعلي ما بينزلش، ولأننا في بلد الحكومة يتجاوز عدد أعضاءها الثلاثين وزيراً، ناهيك عن مساعديهم ونوابهم والذي منه، قررت الحكومة أن يكون للحكومة أربع مقرات أحدهما في القاهرة حين هي وربما تؤجره لتقلص عدد مقاراتها لثلاثة فقط أو تحوله متحف، المهم المقر الثاني في القرية الذكية، والثالث في العاصمة الإدارية، والرابع في مدينة العلمين الجديدة، الذي انعقدت فيه أحدث اجتماعات الحكومة الرشيدة التي تدعو المواطنين للتوفير والترشيد والذي منه لشد الحزام، الحكومة من نجاحها تكافئ نفسها بمقر صيفي في العلمين وآخر شتوي حيث العاصمة الإدارية، وآخر ذكي في القرية الذكية، ورابع قديم حيث القاهرة القديمة، وربما يكون هناك في الخطة إنشاء خامس أثري أو حضاري في أسوان أو الأقصر.
 
تعيش مصر أزهى عصور بناء الحجر وتسعى بكل مجهودها لهدم البشر وسحلهم وسحقهم تحت نير الديون لتكون مصر في المقدمة على قمة جماجم أهلها، وتبني الحكومات المقار لاتخاذ القرارات مع أنهم يعرفون أنهم صورة ومنفذين لقرارات وسياسة عليا ليست بأيديهم، ولا رأي لهم فيها، واسألوا صندوق النقد الدولي الذي يدير الحياة الاقتصادية الأهم في مصر.
 
ومساهمة مني لأن تعيش الحكومة أزهى عصورها، فأنا أقترح عليهم أن يبنوا لهم في كل محافظة مقر على غرار ذلك الذي يجتمعون به بمدينة العلمين الجديدة، جيل رابع وإلكتروني وبيقول ماما وبابا، وبيتخذ القرارات من غير ما يكونوا فيه كمان، وعنده عقل ويعرف إن لما تكون البلد داخلة على كارثة اقتصادية يقلب نور بدل ما نرشق بكل سرعتنا في الحيطة يمكن نقلل الخسائر مش نروح نبني مقار لحكومات فاشلة متعاقبة توارثت الفشل حكومة عن حكومة، وتنتهج سياسات ترفع الدعم عن المواطن وتعطيه لنفسها، تحرم المواطن من الطعام وتطالبه بترشيد الكهرباء وتمرمغ نفسها في مقاراتها بين أحدث التقنيات وأفضل المباني وأحدثها وأجملها، بالمناسبة بوريس جونسون رئيس الوزراء الإنجليزي الجديد لن ينقل رئاسة حكومته من نفس المقار الذي تقيم به الحكومة الإنجليزية منذ مئات السنوات وهي إنجلترا بكل قدراتها الاقتصادية، مش دولة مديونة تعيش حكومتها على وش الفتة ويغرق شعبها في طبق الديون، وكأنه هو من تسبب في الديون مش سياساتهم الفاشلة وقراتهم الرعناء، وكأنهم من بلد وهو من بلد تانية.
 
المختصر المفيد اللي مايشوفشي من الغربال يبقى لمؤاخذة مصطفى مدبولي وحكومته.