سامح جميل

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 9 أغسطس 1809.. 

نزل "محمد على" من القلعة وذهب إلى بيت ابنه "إبراهيم" فى الأزبكية، وأرسل إلى "عمر مكرم" رسولا من طرفه، ورسولا من طرف القاضى يستدعيانه للحضور ليحتكم وإياه لديهم، فاعتذر عمر مكرم بمرضه، فما كان من "محمد على" إلا أن أمر فى حضرة القاضى والشيوخ بعزله من نقابة الأشراف، ونفيه من مصر، وأن ينفذ الأمر فورا، وقرر تعيين الشيخ محمد السادات نقيبا للأشراف.

تشفع الشيوخ عند "الباشا"، وطلبوا منه أن يمهله ثلاثة أيام للرحيل، فوافق، ثم سألوه أن يأذن له بالذهاب إلى أسيوط مسقط رأسه لتكون منفى له، فرفض، وحسب "الجبرتى" فى موسوعته التاريخية "عجائب الآثار فى التراجم والأخبار"، فإن عمر مكرم علق على ذلك قائلا: "أما منصب النقابة فإنى راغب عنه زاهد فيه، وليس فيه إلا التعب، وأما النفى فهو غاية مطلوبى"، ثم طلب نفيه إلى جهة لا يحكمها "محمد على" إذا لم يأذن له بالذهاب إلى أسيوط، واختار "الطور" أو "درنة" بطرابلس الغرب، ، لكن "الباشا" أصر على نفيه إلى دمياط، فاستعد عمر مكرم للسفر، ووكل عنه السيد "المحروقى" كبير تجار القاهرة، وعهد إليه إدارة أملاكه ورعاية أهل بيته.

كان مثل هذا اليوم "9 أغسطس 1809" هو الذى شهد كل هذه التطورات فى العلاقة بين "الباشا" و"الشيخ" والتى بدأت بقيادة عمر مكرم لثورة الشعب المصرى فى قراره باختيار محمد على حاكما لمصر فى 13 مايو 1805، ومضت علاقة الاثنين بين شد وجذب، فالأول كان لديه مشروعه للنهضة وتصوراته عن أساليب الحكم التى تؤهل لتنفيذ هذا المشروع، والثانى كان زعيما شعبيا بامتياز تزداد قوته، لأنه وحسب "عبد الرحمن الرافعى" فى كتابه "عصر محمد على" ترجمان الشعب الصادق ورسوله الأمين فى مراقبة ولاة الأمور ورفع المظالم عن الجمهور.

جاء قرار النفى بعد قرار محمد على عام 1809 بفرض ضريبة المال الميرى على الأراضى الموقوفة على المساجد والسبل والخيرات، وأطيان الأوسية وكانت ملكا خاصا للملتزمين وفحص أطيان الرزق والأوقاف وطلب حججها ممن يتولون النظر عليها، وغضب الملاك ونظار الأوقاف والمستحقين والملتزمين فقصدوا الأزهر، وتصادف ذلك مع اعتقال طالب يمت بصلة قرابة إلى شيخ بالأزهر وهو "حسن البقلى"، فاشتعل الغضب أكثر، واجتمع الشيوخ بقيادة عمر مكرم، واتفقوا على التوحد والاحتجاج كتابة إلى محمد على.

 

كان الحدث بداية لصراع عنيف بين "الشيخ" و"الباشا"، حيث استخدم الأخير كل الحيل من أجل استمالة الأول لكنه فشل، فاستمال ثلاثة كانوا فى صف "عمر مكرم" وهما الشيخان محمد الدواخلى، ومحمد المهدى، ومحمد أفندى طبل "ناظر المهمات"، وبعد عدة مناورات من الباشا تفتق ذهنه إلى عقد اجتماعا يحضره الشيوخ والقاضى للحكم بينه وبين عمر مكرم الذى أحس أنها تدبير من الباشا سينتهى لصالحه فرفض الحضور، ليكون قرار نفيه جاهزا. !!