د. مينا ملاك عازر
 
في بواكير ثورة يناير، كان الكل يتحدث عن الدولة العميقة وقدراتها في إخماد الثورة، ربما هذا حدث بشكل أو بآخر، أو انتصرت حين استطاعت أن تسند الشعب ليزيح الإخوان في ثورة التصحيح التي قامت في الثلاثين من يونيو، لكن ما قام الشعب المصري به حينها كان ثورة حقيقية على حكام إقصائيين متطرفين إرهابيين يعملون على تقسيم الشعب وتفتيت الوطن، لا أولوية عندهم للوطن، ولا قيمة له فثار الشعب وانتصر.
 
لكن لم يدر بخلد هؤلاء الملايين الذين خرجوا ليحطموا صنم الحكم الديني أو الحكم باسم الله أنهم سيستبدلون الإخوان بالسلفين، والدولة العميقة تتوارى لتظهر الدولة القبيحة "الدولة السلفية" المؤسف أن في هذه المرة لم تفعل الدولة العميقة فعلتها ولم تساند الشعب، ولم تحرك ساكن وهي ترى الشعب يعامل أحد عناصره معاملة سيئة، واكتفت أن رأس الدولة يحنو عليهم علنا أمام الكاميرات، وتركت جسد الدولة يسحقهم ويسحلهم ويحتفل بجراحهم علناً أيضاً، ولكن ليس أمام الكاميرات.
 
وسط صمت موجع وللمرة الثالثة تقريباً ترفض الإدارات التعليمية، وانتبه هنا إلى كونها تعليمية، وتغرس القيم في جيل قادم، أن تطلق اسم شهيد للوطن استشهد من أجله أثناء قيامه بواجبه على إحدى مدارسها، كأنها مدارس أهلهم وليس مدارس الوطن، وهو وللعجب أنه نفس ذات الوطن الذي بذل لأجله أبانوب ومن سبقوه من مسيحيين حياتهم لأجله، لكنهم في نظر الدولة السلفية الحاكمة أنه لا يجب ولا يجوز ولا يمكن وغير مقبول أن يقول ابنهم أنه  في مدرسة الشهيد أبانوب، وإن قبلوا أن اسم المدرسة أبانوب، وهذا تجاوز، فلن يقترن اسمه أن يسبقه لقب شهيد فأبانوب كافر مثل الدكتورة مارجريت لا يجوز عليهم الرحمة.
 
أبانوب ومارجريت وكل مسيحي في هذا البلد لا يجوز عليه الرحمة، ولا يجب أن يعامل برحمة لا يرتاح في كنيسة قريبة من منزله، لأنها تزعج السيد السلفي ويجب أن ينكأ جرحه باحتفال صاخب في حماية الأمن بعودة فتاة أسلمت، لا نعرف كيف؟ إلى قريتها في حين لو حدث العكس لهجر كل مسيحي القرية والقرى المجاورة.
 
لا يجوز الرحمة بالمسيحين أحياء وأموات، لكن اسمحوا لنا أن نطلب الرحمة لهذا الوطن منكم مدعي الوطنية، ومدعي التدين، ومحبي الظهور أمام الكاميرات مرددي الكلام الفارغ أو مطلقين تلك الأترهات التي لا قيمة لها، لأنها لا تؤتي ثمارها، فهناك أجيال تخرج متعلمة على أيدي فاسدي الفكر والقلب، يتعلمون منهم أن أبانوب ليس شهيد ومارجريت لا يجوز عليها الرحمة، والأمن لا يؤمن إنشاء كنيسة، لكن يؤمن احتفالات لسيدة أسلمت، والمسيحية أهل ذمة. 
 
طب بالذمة مش دولة السلفية تكسب الإخوان؟ حكموا بهدوء وبدون ضجيج ولا صدام واستطاعوا إخراس صوت الحق والتصالح مع الدولة العميقة كله في سبيل أن يجلس كل واحد على كرسيه للأبد.
المختصر المفيد منكم لله.