«أردوغان» يخطط لخلق مناطق صراع جديدة فى ليبيا بعد تفريغ مخيم الهول فى شمال سوريا
 حذر الدكتور عوض شفيق، أستاذ القانون الدولى بجنيف، من المخطط التركى لنقل المقاتلين الإرهابيين الأجانب من شمال سوريا إلى ليبيا ثم أوروبا أو مصر، ووصفها بـ«الدولة الناقلة والتاجرة» بما يهدد بخلق أماكن جديدة للنزاعات، وفرض مصالحها على الأوضاع الإقليمية والدولية، مطالبا المجتمع بضرورة وقف المطامع التركية والتعامل مع هذه الانتهاكات بحزم، مؤكدا أن قرار الاتحاد الأوروبى الأخير يعد بمثابة بداية تصعيد ضد تركيا بسبب تنقيبها عن الغاز فى أماكن ذات سيادة لقبرص ما لم تعدل عن خطواتها الاستفزازية.

وأكد فى حواره أن المجتمع الدولى يقف عاجزا أمام إشكالية المقاتلين الأجانب، وسط ازدواجية المعايير فى التعامل مع التهديدات التى تسببها الجماعات الإرهابية، وتلكؤ المنظمات الدولية والدول الأوروبية فى مواجهة التهديدات المترتبة من عودة المقاتلين الأجانب إلى بلادهم تحت مزاعم احترام حقوق الإنسان، ومحاولة توفير غطاء آمن يسمح لهم بالعودة وفوضى المصطلحات المتداولة فى توصيف الإرهابيين، دون الاكتراث بالمخاطر المترتبة على عودتهم، والثمن الذى سوف تدفعه أوروبا خلال الفترة المقبلة، فى ضوء عدم توفر مفاهيم واضحة واتفاقيات نافذة كما هو الحال بالنسبة لقضية اللاجئين، متوقعا أن تستمر هذه الإشكالية خلال السنوات القادمة دون التوصل إلى حلول واضحة.. إلى الحوار.

■ كيف ترى التحركات التركية على الساحة الإقليمية حاليا؟
- تلعب تركيا فى الفترة الحالية دورا خطيرا واستغلال نفوذها فى الشمال السورى بنقل عدد كبير من المقاتلين الأجانب من مخيم الهول إلى ليبيا ودول أخرى مستغلة سيطرتها على هذه المناطق، ومحاولة تحقيق مصالحها وخلق أماكن للنزاع والصراع فى أماكن أخري، وكما ساهمت فى السابق من خلال توفير غطاء آمن لأصحاب الخوذ البيضاء والمعروف تبعيتهم للمعارضة السورية المسلحة والمساعدة فى نقلهم من سوريا إلى الأردن ثم أوروبا وكندا بعد كشف الالاعيب التى قاموا بها على الأراضى السورية ومسرحيات «الكيماوى»، تعمل حاليا على نقل آلاف المقاتلين الأجانب إلى ليبيا ومساومة أوروبا مرة أخري، إلى جانب المتاجرة بالنساء والأطفال، لذا أطلقت عليها الدولة الناقلة التاجرة.

■ وماذا عن تعامل المجتمع الدولى مع هذه الممارسات التركية؟
- أنقرة تستغل تلكؤ المجتمع الدولى وعجزه فى مواجهة خطر العائدين من القتال فى سوريا، وحتى الآن تونس ترفض عودة التونسيين الذين شاركوا بالقتال مع تنظيم داعش، كذلك فرنسا ترفض عودة الفرنسيين المقاتلين، وأيضا ألمانيا وبريطانيا، لذا تقوم تركيا باستغلال الوضع الحالى بنقل المقاتلين الأجانب إلى ليبيا لدعم حكومة السراج من جانب، وخلق مناطق نفوذ لها من جانب آخر يسمح لها بالسطو على الثروات الليبية، ومقايضة أوروبا فى منع خطر المقاتلين عنها، كما سبق وأن قايضت أوروبا بخصوص اللاجئين وحصلت على مليارات من اليورو، حتى دخلت فى صدام مع أوروبا بسب عدم صحة نواياها، وعد إيفاء الشروط الموقعة مع أوروبا.

■ ولكن ما الحل؟
- على المجتمع الدولى محاسبة تركيا على ما تقوم به وفقا للقانون الدولي، فهى تملك السيطرة على شمال سوريا لذا تقوم بنقل المقاتلين الأجانب إلى دول أخري، كما أنها تساعد على نقل الإرهابيين تحت ستار الجهاد فى ليبيا، والمتاجرة بالأطفال والنساء وهى جريمة ترتقى إلى جرائم حرب فى انتهاك للقانون الدولى للنزاعات المسلحة وانتهاك لاتفاقية الاتجار بالبشر والنساء والأطفال، وهناك حاجة ملحة لوقف طموح الزعامة والخلافة والهوس السياسى الذى أصاب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، ومنعه من خلق مناطق نزاع جديدة يعمل معها على نقل الصراع من سوريا إلى ليبيا، وبالتالى مطلوب فورا من مجلس الأمن إصدار قرار يمنع عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب إلى بلادهم، وتفعيل نُظم العدالة الجنائية الوطنية ومحاكمة هؤلاء فى مناطق النزاع عبر لجنة تحقيق دولية.

■ كيف تساهم لجان التحقيق فى الوصول إلى العدالة؟
- من خلال إنشاء لجان تحقيق فى مناطق الصراع، ولنضع مثالا فى سوريا، سوف تتمكن العدالة من الفصل بين من ذهب طواعية للقتال فى صفوف داعش، وبين من أرسلته الدول لأماكن النزاع، وحينها تظهر الحقائق للرأى العام، وتعقب الجناة الحقيقيين، فما حدث خلال السنوات الماضية لن يدخل طى النسيان، وإنما ستكشف العديد من الأسرار حول الدول الداعمة لتنظيم داعش، والثروات التى تم نهبها من سوريا والعراق، ألا أن كل هذا لن يحدث ما لم يحدث تعاون سياسى واستخباراتى بين الدول نحو تحقيق العدالة.

■ هل يمكن أن نصل إلى مرحلة يعاقب فيها الجناة عما حدث من جرائم داعش؟
- بالطبع، فالقانون الدولى يعاقب المسئولين وليس الدول، ومن ثم تحديد المسئولية يساعد على ملاحقة المسئولين الأفراد فى دولهم عن الجرائم التى ارتكبوها، وفى حال ثبوت تورط تركيا فى نقل الإرهابيين من سوريا والعراق إلى ليبيا أو أوروبا، سيتم ملاحقة أردوغان ورئيس الوزراء التركى وكل الأفراد الذين أعطوا الأوامر وسهلوا عملية نقل الإرهابيين إلى مناطق النزاع، ولكن كل هذا متوقف على التعاون الأمنى والاستخباراتى والقضائى وتوفر النية والإرادة السياسية فى الوصول إلى العدالة المفقودة.

■ كيف ترى تعامل الدول الأوروبية مع هذه الأزمة؟
- كل دولة تتعامل مع هذا الملف طبقا لأجندتها الداخلية، مثلا فى فرنسا يرفض الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون عودة المقاتلين الفرنسيين إلى بلادهم، بينما يربط القضاء الفرنسى عودتهم بموافقة السلطة السياسية، وهو ما يعنى يشترط موافقة الرئيس الفرنسى أولا.

وفى ألمانيا يتم قبول بعض الأحكام المتعلقة بالمقاتلين فى العراق ومحاسبة المقاتلين الألمان فى مناطق النزاع مثل العراق، وترفض قبول الضغوط الأمريكية لاستعادة المقاتلين الألمان، فى حين أعلنت وزارة الداخلية الألمانية أنها تدرس كل حالة على حدة قبل الموافقة أو الرفض على عودتهم، ومؤخرا ظهر حكم قضائى يجبر الحكومة الألمانى على استعادة سيدة وأطفالها من مخيم الهول بسوريا بناء على قضية رفعها زوجها، وخطورة هذا الحكم فى إمكانية اتباع عدد من المقاتلين الألمان المتواجدين هناك على استعادة أسرهم أطفالهم، وهو يُعبّر عن وجود عدد من الدواعش على الأراضى الألمانية، وهى تحديات تكشف عن عمق الأزمة وفشل الدول الأوروبية فى المواجهة حتى الآن.

■ وماذا عن تعامل المجتمع الدولى ومجلس الأمن مع هذه الإشكالية؟
- هناك عجز وتلكؤ فى المواجهة، حيث سبق أن حاول مجلس الأمن منع المقاتلين الأجانب من الوصول إلى مناطق الصراع فى ٢٠١٥، وتم وصفهم بالمقاتلين الإرهابيين الأجانب، وهو فى الحقيقة وصف غريب، حيث يطلق ذلك على المقاتل فى صفوف الجيوش النظامية، ويخضع لقواعد وتعريف القانون الدولى للنزاعات المسلحة، أمام الإرهابى فيخضع لقانون مكافحة الإرهاب وقوانين اللاجئين.

■ ولكن أحيانا تبدو مواقف المنظمات الأممية الحقوقية عائمة وغامضة مثل بيان المفوضية السامية لحقوق الإنسان الأخير؟
- المفوضية لم تأخذ مسألة المقاتلين الأجانب بعين الاعتبار، ولم تراع كل الجوانب القانونية، خاصة الشق الجنائى منها، واكتفت بالجوانب الإنسانية فقط، حيث أشارت إلى اعتقال أكثر من ٥٥ ألف رجل وامرأة وطفل، ممن يشتبه فى أنهم كانوا من مقاتلى داعش فى سوريا والعراق، معظمهم سوريون أو عراقيون، إلا أنهم يشملون مقاتلين أجانب مزعومين من حوالى ٥٠ دولة، كما أنها أشارت إلى أن أكثر من ١١ ألف فرد من عائلات مقاتلى داعش الأجانب المشتبه بهم ما زالوا محتجزين فى مخيم الهول شمال شرق سوريا، فى ظروف دون المستوى».

■ هناك تقارير تتحدث عن عدد كبير من التونسيين فى سوريا.. ما دلالة ذلك؟
- التقارير تشير إلى وجود أكثر من سبعة آلاف مقاتل تونسى فى صفوف داعش، وترفض تونس عودتهم إلى بلادهم، ولكن دلالة ذلك قد تكشف عن حجم الدور الذى قامت به حركة النهضة فى إرسال الكثير من المقاتلين إلى سوريا والعراق، والتحقيق مع هؤلاء سيكشف الكثير من المعلومات، والتوصل إلى أدلة سيعمل على ملاحقة قيادات حركة النهضة، كما تحدثنا عن إمكانية ملاحقة المسئولين الأتراك المتورطين فى نقل المقاتلين الأجانب إلى سوريا وليبيا.

■ كيف ترى المزاج العام دوليًا فى التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب؟
- الحقيقة أن موقف المجتمع الدولى فى التعامل مع هذه الإشكالية مؤسف، حيث يرفع شعارات حقوق الإنسان والحفاظ على مستقبل الأطفال الناتجين عن جهاد النكاح أو زواج المقاتلين بالسيدات الأجنبيات، خشية ظهور أطفال عديمى الجنسية لو رفضت الدول الأجنبية استقبالهم، دون النظر إلى حجم الجرائم التى ارتكبت بيد عناصر تنظيم داعش وخاصة ضد الإيزيديين فى العراق.

والقانون الدولى لا يمكن تجزئته أو الانتقاص منه، ومحاولة التغاضى عن هذه الجرائم التى تصنف وفقا للقانون الدولى جرائم إبادة جماعية أمر لا يمكن قبوله، أما الخوف من مستقبل الأطفال وعديمى الجنسية فذلك يمكن معالجته عبر إنشاء ملجأ لهم بأى دول أو إجبار دول عربية وإسلامية على قبول هؤلاء الأطفال، أما البحث عن غطاء قانونى لهم والتغاضى عن الجرائم التى ارتكبوها هذا أمر محير وغريب لا يمكن قبوله.

■ لماذا الحيرة والتخبط الدوليان فى أزمة المقاتلين الأجانب؟
- القضية جديدة على المجتمع الدولي، فاللاجئ له تعريف واضح، وهناك اتفاقيات دولية تحدد آلية التعامل مع اللاجئين، لذلك حينما ظهرت معاناة اللاجئين السوريين تم التعامل مع الأمر وفقا للقوانين والتعريفات المتاحة، حتى ولو كانت أزمة كبيرة سببت ولا تزال صداعا للمجتمع الدولى وخاصة الدول الأوروبية، بينما فى حالة المقاتلين الأجانب، هناك فوضى من المصطلحات، والمجتمع الدولى وضع نفسه فى ورطة، ولا توجد اتفاقيات متعلقة بالإرهابيين المقاتلين، لذلك استغلت تركيا هذا التخبط لصالحها، وعملت على تعزيز تواجد أصحاب «الخوذ البيضاء» فى سوريا، قبل أن تساعد على تهريبهم إلى أوروبا وكندا عبر الأردن بمساعدة إسرائيلية.

والآن تعيد نفس السيناريو من خلال نقل الإرهابيين الأجانب إلى ليبيا تمهيدا لنقلهم إلى أماكن أخري، أو التهديد بنقلهم إلى الدول الأوروبية والتفاوض على ثمن تحدده مصالحها لمنع وصول هؤلاء إلى أوروبا، أو التدخل فى الشأن الليبى وتعزيز نفوذ حكومة السراج على حساب المصالح المصرية العربية مع خليفة حفتر والجيش الليبي، وبالتالى ظهور نزاعات جديدة وخلق جبهة صراع يتم تمويلها تارة تحت محاربة الإرهاب أو تغيير مناطق القوى على الأرض لتحقيق مصالح معينة فى مرحلة التفاوض وفض النزاعات.

■ كيف ترى قرار الاتحاد الأوروبى ببدء اتخاذ تدابير عقابية تجاه تركيا بعد التنقيب عن الغاز فى مناطق نفوذ قبرص؟
- تعد خطوة مهمة وتكشف عن تصعيد محتمل خلال الفترة المقبلة، وبدء تحويل التهديدات إلى قرارات عقابية، وخاصة وقف المفاوضات مع تركيا بشأن إبرام صفقة طائرات، وإلغاء اجتماعات رفيعة المستوى بين الجانبين، وخفض المخصصات المالية لتركيا كان متوقعًا تحويلها، وغيرها من الخطوات التصعيدية التى سوف تتخذها أوروبا ما لم تعد عن هذه السياسات.

وأدعو الحكومة المصرية للتضامن مع بيان الاتحاد الأوروبي، وإصدار بيان من وزارة الخارجية ولجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب، خاصة أن مصر لديها اتفاقية لترسيم الحدود مع قبرص، وفى مثل هذه المواقف لابد من التضامن والحفاظ على المصالح المشتركة بين البلدين، وعدم الاكتفاء بدور المتابع أو المتفرج، ولولا انتهاك تركيا للمصالح الاقتصادية القبرصية باعتبارها عضوا فى الاتحاد الأوروبى ما تضامن معها وزراء الاتحاد والمجلس الأوروبي.

■ هل توجد آلية دولية لكبح جماح تركيا؟
- لكبح جماح تركيا والسيطرة الفعلية لممارسة أعمال عسكرية وشبه عسكرية فى مناطق النزاع المسلح فى ليبيا أو سوريا ومعضلة عودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب، يجب على المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن، أن يؤدى دوره المنوط به فى حفظ السلم والأمن الدوليين، باستصدار قرار دولى يلزم به الدول التى تسيطر على مخيم الهول فى شمال سوريا بعدم نقل الإرهابيين، عبر إنشاء لجنة تحقيق دولية تساهم معها المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ولجنة الصليب الأحمر لدراسة كل حالة على حدة، وتحديد مركزهم القانونى هل هم لاجئون أم مقاتلون أتوا إلى سوريا طواعية للانضمام فى صفوف داعش أم أتوا الى سوريا بوصفهم مجموعات مسلحة تابعة لدولة داعمة للإرهاب، ودراسة وضع الأطفال وإمكانية عدم تجنيدهم فى صفوف داعش، وبعد عمل انتهاء لجنة التحقيق الدولية المنشأة لدراسة هذه المسألة وتجريم سلوك الذين يريدون العودة إلى دولهم يتم تطبيق مبدأ إما تسليمهم الى دولهم أو محاكمتهم فى الدولة التى يقيمون فيها.

وهنا تظهر مشكلة الموارد المالية لتقديم كل المساعدات القانونية على الأمم المتحدة إيجاد حلول للتمويل القضائى، وعلى لجنة التحقيق الدولية تحديد المسؤولية الجنائية للمسئولين الأتراك بصفتهم الرسمية، وتجريم تصرفاتهم بوصفهم ممثلين أو وكلاء عن الدولة التركية.