محفوظ ناثان يكتب

يعلم الكثيرون علم اليقين بأن هناك ثلاثة حقائق في الحياة تقع خارج نطاق الصورة الذهنية الخاصة بنا، وبعيدة عن نطاق علمنا ومصدر معرفتنا، ألا وهي أين؟ ومتى؟ وكيف؟ أول هذه الحقائق هي أين يموت الإنسان؟ فبأي حال من الأحول لا يعلم المرء المكان الذي سيأخذ فيه القدير أمانته. وثانيها هي متى سيلفظ الإنسان اللفظة الأخيرة، هل في هذا الجيل أم في آخر؟ والطريقة التي يترك فيها الإنسان عالم الفناء ويتجه إلى مصير مجهول ووجهة غير معلومة بالنسبة لعالم الجسد ذي القدرة المحدودة والقوة المتضائلة.


وعلى الرغم من كل هذه الحقائق، فهناك موجة احتجاجات للدول الأوروبية والولايات المتحدة، وتلك الموجة تعرف باسم "القتل الرحيم" أو euthanasia باللغة الإنجليزية، وهو أن يختار الإنسان إنهاء حياته بنفسه أو بواسطة الطبيب، بعد أخذ موافقة ذويه وذلك بسبب مرض عضال يستحيل معه البقاء على قيد الحياة.


وقد أُثيرت تلك القضية بعد موت الفرنسي "فانسان لوميير" الذي كان يعمل ممرضًا قبل أن يصاب بالشلل الرباعي إثر حادث، وعاش في غيبوبة لمدة 11عامًا منذ 2008. وكان قد توقف تقديم العلاج له بعد صدور أمر قضائي صدر نهاية يونيو السابق. واجتاحت موجة من الغضب بسبب ما حدث مع "لوميير"، وتساءل الناس هل يجب أن نترك المريض الذي لا أمل في شفائه يموت بغية عدم تعذيبه هو أو ذويه؟
 

ومع كل تلك المستجدات والقضايا الشائكة كان لابد من أخذ رأي الدين في هذا المضمار. فلقد قد صرح البابا فرانسيس بابا الفاتيكان قائلا: "إن الله هو سيد الحياة، ومن واجبنا أن نبذل كل ما في وسعنا للحفاظ على هذه الحياة". ويقول المطران منير حنا، مطران الكنيسة الأسقفية، أن الكنيسة ترفض الموت الرحيم تمامًا، لأن الله يصنع المعجزات، فالإصابة بمرض عضال لا يعني الوفاة لأن هناك دائمًا أمل للشفاء. أما عن رأي الكنيسة القبطية فقد أوضح القمص بولس حليم، المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، بأن الله هو رب الحياة ومحورها ومن يقرر أن يختار الموت الرحيم فإنه يرفض الله، ويعد هذا انتحارًا لأنه قتل للنفس، ومثله مثل الإجهاض.


وعن رأي الدين الاسلامي فقد أوضح فضيلة الإمام الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية السابق قائلا: "إن الله هو أرحم الراحمين بعباده وأن هذا البدن أعطاه الله للإنسان وهو ليس ملكه حتى يتصرف فيه كيفما يشاء، ولكنه أمانة وسيسأل عنه يوم القيامة". أما فضيلة الشيخ الشعراوي رحمة الله عليه فكان له أمر مغاير في هذة القضية، فقد صرح في إحدى اللقاءات التلفيزيونية ببرنامج من الألف إلى الياء مع الإعلامي الراحل طارق حبيب قائلا: "لماذا تبعدون لقاء المريض بربه، ما دامت الغاية أن نلقى الله". وذكر مثالًا بمرض الفشل الكلوي قائلًا: "يتم غسيل الكلى مرتين إسبوعيًا، وهذا يكلف المريض 600 جنيه، وهذا فيه عذاب لأهل المريض." وقالها بصريح العبارة: "اتركوا المريض يموت". وتساءل: "هل تمنعون الموت؟"


والسؤال الذي يطرح نفسه للقارئ الكريم، إذا استحالت كل الوسائل العلمية لإنقاذ حياة انسان، هل نتركه يموت أم سيبقى هناك أمل بحدوث معجزة؟!