سليمان شفيق
يتناقل الان علي صفحات بعض الصحف او في السوشيال ميديا بعض اوجة الخلافات الكنسية بين ما يسمي بالاصلاحيين والمحافظين ، ويبدي البعض اندهاشة من تلك الظاهرة ، رغم انها قديمة جدا وصحية وبدات منذ مطلع القرن التاسع عشر ، وسنبدا في سلسلة مقالات حول تلك الظاهرة ، ولاطبع سنفرق بين الهجوم والنقد ، ونتحفظ علي اي تجريح لاي من الاباء البابوات او الاساقفة والمطارنة والكهنة والعلمانيين ولكننا نسرد ما اسمية " الديمقراطية والتعددية الكنسية " .
                                                     (1)
يتناقل بعض الصحفيين والإعلاميين ما يدور حول قداسة البابا تواضروس الثانى من أوجه الخلاف بشكل يعكس عدم خبرة ودراية بماهية وروحانية الخلافات التاريخية الكنسية، أو بلغة العالم المعاصر «الديمقراطية الكنسية»، بل  لعبت تلك الاقلام بدون وعي دورا فيحويل الخلاف الي احتقان وتعميق للازمة ، ويعود ذلك لطبيعة تأميم المناخ الديمقراطى بعد 1952،وما جرى فى الثلاثين سنة الماضية من تدجين و«أكرسة» المجلس الملى (بعد أن سامهم قداسة الأنبا شنودة شمامسة ثم تجميد قداسة البابا تواضروس الثاني للمجلس وعدم دعوتة لانتخاباتة من جديد) وإفراغ المجلس من مضمونة، الامر الذي ادي الي عدم وجود مانعة صواعق علمانية ، ودعوة من "هب ودب" الي ساحة الخلاف ، لذلك لا بأس من استرجاع بعد المواقف التاريخية التى حدثت داخل الكنيسة لكى يدرك الشباب أن تلك الخلافات جزء لا يتجزأ من البناء الروحى الكنسى.

بعد تأسيس المجلس الملى العام، 1874 حدثت خلافات فى الرأى بين البابا كيرلس الخامس (البطريرك 112، الذى تم جلوسه على كرسى مار مرقص فى نوفمبر 1874 وحضر جلوسه الخديو إسماعيل وابنه توفيق)، وفى هذه الخلافات  ناصر بطرس باشا غالى فكرة إجراء انتخابات أعضاء المجلس الملّى، بدلا من أن يُعيّنوا من قِبَل البطريرك (لمزيد من التفاصيل راجع للباحث: الأقباط بين الحرمان الوطنى والكنسى دار الأمين القاهرة 1994) وبالرغم من معارضة البابا استعان بطرس غالى بالحكومة وتمت الانتخابات. وتم تغيير لائحة المجلس بأن يُرفَع البابا من رئاسة المجلس وأن يقوم وكيل المجلس بطرس غالى بعمل رئيس المجلس.ولما فشلت مساعى البابا فى تنفيذ رأيه قَبِل وساطة بطرس باشا الذى نجح فى إعادة حق البطريرك فى إدارة ديوان البطريركية وأوقاف الأديرة، فقط ولكن أعضاء المجلس رفضوا هذا الحل وعاد الموقف للتأزم وتم تعيين أسقف صنبو رئيسًا للمجلس الملّى بدلا من البابا.

وتبنى بطرس غالى طلب بعضا من الكهنة والعلمانيين فى إبعاد البطريرك إلى دير البراموس، وإبعاد مطران الإسكندرية الانبا يؤنس إلى دير الأنبا بولا، وتم ذلك فى سنة 1892 م. ومن يراجع عريضة الشكوى التى كتبها بطرس غالى ضد البابا سيجدها تؤكد على صداقة البابا ومناصرته لأحمد عرابى وعدائه للإنجليز!! (من المعروف أن بطرس باشا غالى الكبير اغتيل بعد مذبحة دنشواى لاتهامه بالعمالة للإنجليز)، وظل البابا كيرلس الخامس فى الدير خمسة أشهر. ويذكر تاريخ الكنيسة.. أن أسقف صنبو بعد ذلك حين دخل ومعه «الإيغومانوس» (رتبة كنسية) إلى الكنيسة لصلاة القداس الإلهى شاءت الإرادة الإلهية أن يُخطئ الأسقف ويقرأ إنجيل خيانة يهوذا الإسخريوطى كما وقعت الصينية من يده، فتشاءم الناس واعتقدوا أن الله غير راضٍ عن المجلس وأعماله، وتعطّلت الشعائر الدينية والتهب الشعور المطالِب بعودة البابا.

عودة البابا واعتذار غالى:
رضخت الحكومة لمطالب الشعب وعاد البطريرك إلى مقر كرسيه معززًا مكرمًا، وبعد عودته بعشرة أيام جاء بطرس باشا لزيارته وبصحبته جميع المحرومين فاعترفوا بالخطأ، وطلبوا الصفح فسامحهم البابا، كما صفح عن أسقف صنبو. وتم الاتفاق على إرجاع الإدارة إلى غبطة البطريرك على أن ينتدب أربعة من أعضاء المجلس لمساعدته فى إدارة شؤون الشعب.

وفى عهده تمت رسامة مطران للخرطوم، وبنيت بها كنيسة كبرى وسبع كنائس أخرى، كما اهتم بأديرة الراهبات من الناحية الرهبانية والعمرانية.ولقب البابا الوطنى بأبوالاصلاح واهتم على غرار كيرلس الرابع بالمدارس وبالتعليم.