رحل الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى فى يوم لن ينساه الإخوة فى تونس، فهو نفس يوم عيد الاستقلال الذى خرج فيه الاستعمار الفرنسى من البلاد، وهو اليوم الذى جرى فيه إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وهو اليوم الذى جرى فيه تنصيب الحبيب بورقيبة رئيسًا، إلى أن انقلب عليه زين العابدين بن على عام ١٩٨٧!.

كان اليوم هو ٢٥ يوليو ١٩٥٧، ومن ساعتها صار يومًا للاحتفال فى كل عام، ولكنه بدءًا من العام المقبل سوف يكون موعدًا لاحتفالين معًا: واحد بذكرى الثورة.. وآخر بذكرى رحيل السبسى!. وقد رحل الرجل فى أجواء سياسية حرجة إلى أبعد مدى، ففترة رئاسته انتهت فى هذا الصيف، والبرلمان انتهت فترته هو الآخر من بعد الرئاسة، والانتخابات الجديدة بنوعيها، رئاسية وبرلمانية، تدق الباب بقوة، وكان الرئيس الراحل هو الذى أصدر قرارًا فى الخامس من هذا الشهر، دعا به الناخبين إلى انتخاب رئيس جديد فى أكتوبر، وانتخاب برلمان جديد فى نوفمبر!.

وكان السباق إلى قصر قرطاج، حيث مكتب الرئيس، قد بدأ منذ وقت مبكر من هذه السنة، وكذلك حدث الأمر نفسه مع السباق إلى قصر القصبة، حيث يقع مقر رئيس الحكومة، لأن الحزب الذى يحصل على الأغلبية فى الانتخابات النيابية هو الحزب الذى يشكل الحكومة!.

وهذه لعبة كبرى بدأت هى الأخرى مبكرًا، وتتنافس فيها أحزاب ثلاثة كبيرة: الأول حزب «نداء تونس» الذى أسسه الرئيس السبسى، وخاض من خلاله انتخابات الرئاسة والبرلمان فى ٢٠١٤ ونجح فيهما، والثانى حزب «تحيا تونس»، الذى أسسه رئيس الحكومة يوسف الشاهد قبل شهرين، والثالث حزب «النهضة الإسلامية» الذى يترأسه الشيخ راشد الغنوشى.. وهناك أحزاب أخرى طبعًا، ولكنها ليست فى قوة الأحزاب الثلاثة!.

ورغم أن «نداء تونس» كان الأول فى انتخابات ٢٠١٤ من حيث عدد مقاعده فى البرلمان، ورغم أنه ظل كذلك عدة شهور مضت، إلا أن حزب النهضة راح يخطط ويدبر ويلعب، إلى أن صار هو رقم واحد، ويسعى إلى أن يكون فى الترتيب ذاته فى البرلمان الجديد!.

وربما كان إقدام الغنوشى قبل أيام على ترشيح نفسه فى الانتخابات النيابية هو الخطوة العملية الأولى فى هذا الطريق!.

والتنسيق بين الغنوشى والشاهد واضح منذ وقت طويل، فليس سرًا أن الأول هو مَنْ أقنع الثانى بالانشقاق على «نداء تونس» وتأسيس «تحيا تونس»، وكان الهدف الأساسى هو إضعاف حزب الرئيس والدفع به إلى الترتيب الثالث برلمانيًا!.

وهذا ما حدث.. أما ما سوف يحدث تونسيًّا من هنا إلى آخر العام فيبدو أنه مثير وخطير!.
نقلا عن المصري اليوم