القس محسن منير
ثقتى الكاملة والعميقة فى جدية وصدق دعوة الرئيس السيسى للشعب للمشاركة الفعالة فى قضايا وهموم الوطن، هى ما يدفعنى للكتابة -كمواطن مصرى- كلما تبلورت فى ذهنى أفكار فى قضية من القضايا المثارة فى مجتمعنا.

ولأن من أهم القضايا المثارة وأكثرها إلحاحاً حتى الآن ما يُعرف بـ«تجديد الخطاب الدينى»، رأيت أن أشارك -كمواطن مصرى- بثلاث أفكار عامة، وباختصار شديد، مرتبطة بهذه القضية الهامة.

١- يحتاج التحرك الصادق من الواقع المرفوض نحو الأمل المنشود إلى «إرادة التغيير» بوجود اقتناع عميق بحتمية التجديد، ورغبة حقيقية فى تغيير جذرى وليس مجرد تغيير شكلى، حيث إنه من المعروف أنه لا يمكن أن يكون هناك إصلاح دون أن يسبقه وجود «فكر إصلاحى» ومكاشفة.

ولعل هذا ما دفعنى لوضع العنوان «تجديد الفكر الدينى» وليس «تجديد الخطاب الدينى»، ولن يوجد كلاهما دون أن يسبقهما تحليل موضوعى للواقع، ولا قدرة على ذلك دون وجود معلومات ومعرفة كافية، وهو الأمر الذى لا يتوفر دون وجود شفافية نابعة من ثقافة قبول واحترام الرأى والرأى الآخر، وفى النهاية تقود هذه الرغبة الصادقة فى التغيير إلى تكوين وتشكيل رأى عام قادر على التأثير فى من يملك قرار التغيير ليحركه نحو اتخاذ خطوات جادة لتحقيق الهدف.

٢- أهمية وحيوية الربط المستمر بين تجديد الخطاب الدينى وتجديد الخطاب الثقافى التنويرى، وهذا أمر منطقى لأن «التنوير» وفق الفيلسوف الألمانى «إيمانويل كانط» (١٧٢٤- ١٨٠٤) هو خروج الإنسان من حالة الوصاية عليه، والتى تظهر فى عجزه عن استعمال عقله بدون توجيه الغير. وهذا الاستسلام للوصاية ليس ناجماً عن نقص الإدراك العقلى فقط، لكن أيضاً نقص الإرادة والشجاعة فى استخدام العقل دون انتظار لتوجيه من الغير، لذا كانت صيحته: «تجرَّأ على استخدام فهمك الخاص».

ومن جانب آخر الثقافة هى القادرة على أن تخلق فى الإنسان مساحة كافية من الوعى والقدرة على التمييز والتحليل والتقييم الموضوعى، وهى أمور أساسية ومحورية فى تجديد الفكر الدينى. حتى لا يستمر أسيراً للبعد المظهرى الشكلى الطقسى فقط.

٣- إذا كان التصدى لمسئولية تجديد الفكر الدينى جاداً فيلزم لإنجازه أربعة أعمدة أساسية، وهى -باختصار شديد- دراسة صحيحة للنص المقدس فى إدراك واعٍ للسياق والخلفية الحضارية والتاريخية، الأمر الذى يقود إلى استنتاج المبادئ والقيم القادرة على مواجهة الحاضر بغضّ النظر عن شكل وأسلوب الماضى، ثانياً: إدراك واع مستنير للمتغيرات المستجدة واحتياجات المجتمع الحقيقية الآن، ثالثاً: انفتاح فكرى حقيقى وليس مظهرياً، وأخيراً الاستعداد المخلص للحوار الشامل الواسع بلا أسقف مسبقة.

أرى -عزيزى القارئ- أنه من الضرورى فى ختام هذا المقال أن ألفت النظر لملاحظة، أراها هامة، وهى أن الاهتمام الجاد بمساحات الاتفاق فى أى حوار لا يعنى عدم الإدراك الواعى لنقاط الاختلاف، حيث نسعى فى مساحات الاتفاق لتعاون وعمل مشترك على أن يظل قائماً الاحترام والقبول المتبادل فى نقاط الاختلاف، دون أن يعنى ذلك التنازل عن الفكر والعقيدة الشخصية. فأذهان الناضجين تُشكل أولاً اقتناعاتها وتنفتح على الأفكار من حولها وتستمع إليها بهدوء وتحليل، بعيداً عن غضب الرفض المتعجل أو خنوع قبول المضطر، وتظل تحتفظ بالمحبة والاحترام والقبول للمختلف عنها.
نقلا عن الوطن