د. مينا ملاك عازر
صحيح أن الأسد هو ملك الغابة، ولكن من الغير منطقي أن يصبح الأسد ملك لسوريا فيورثها لابنه المحبوب والمقرب له، فدائماً للأقدار رأي آخر، لا تعاند به الطغاة بل تعلم بها البغاة، لكن لا الطغاة يرضخون، ولا البغاة يتعلمون، والكل يكرر فعلة الأغبياء الذين يظنون أنها مخلدة لهم ولمن بعدهم.

تبدأ الحكاية عندما انقلب الأسد الأب في عام 1970 وأصبح رئيساً للجمهورية بعد أن كان وزير للدفاع، ومن يوم ذاك يسير الأسد بخطى ثابتة تجاه البقاء في الحكم، فيقرب أهل الثقة، ويصنع له حاشية قوية، ويؤمن نفسه ضد الانقلابات العسكرية التي دأبت عليها سوريا واعتادها السوريين منذ قبل، فسلح عشيرته من أصحاب مذهبه الشيعي العلوي بسلاح الطيران ليأمن جانب الجيش ويضمن بقاء في السلطة.

وبينما الأمر يسير هكذا في سبيل توطيد حكمه وأركانه في أرض سوريا الغالية، يجد أن ولده المقرب له والمحبب له باسل الأسد، خريج الكليات العسكرية يمنى بمصاب أليم إذ يتوفى إثر حادث سيارة في طريق المطار، وتنهار كل أحلام توريث السلطة في عيون الأسد الأب خاصة وأنه كان على علم بأن مرض السرطان ينهش في جسده، ذلك الخبر الذي ما أن عرفته إسرائيل بطرقها الخفية إلا وأوقفت التفاوض معه على إعادة الجولان، بل تراجعت عن كل مواعيدها للسوريين إذ شعرت أن أمر بقاء الأسد أمر غير مضمون، لم تكن تعرف أن لا سرطان يهز الأب ولا وفاة الأبن الحبيب لقلبه يفتك به.

فأسرع الأب المصاب بالسرطان والمكلوم في ولده الحبيب، واختار بشار ولده الأصغر، وهو طبيب العيون المقيم بلندن ليعود من هناك فيدرس سنتين بالكلية العسكرية، ويخرج فريق ركن، يا سبحان الله ،لكن المنية والأقدار لهم في الحياة وترتيبات القدر رأى آخر، فمهما أسرعت الخطى هم أسرع منك، وهم أسبق منك فوافته المنية، الأسد الأب بعد أن نال منه السرطان ما ناله وكبده حياته، فأسرع رجال الأسد وعدلوا في مجلس النواب مادة دستورية واحدة وحيدة تسمح بتخفيض سن رئيس الجمهورية ليصبح 34 عاماً ليصبح تعديلاً دستورياً مناسب تماماً لأحلام الأب، وربما طموحات الابن، ومن المؤكد أنه مناسب لآمال الأسرة وأبناء المذهب العلوي الشيعي الحكام الفعليين والمستفيدين من وجود عائلة الأسد على قمة سدة السلطة في سوريا.

لا تتوقف القصة عند هذا الحد، فالسرطان له أشكال أخرى وضربات أكثر وجعاً، دعونا نستكمل قصتنا الحلقة القادمة بإذن الله.

المختصر المفيد أنت تريد، وأنا أريد، والله يفعل ما يريد.