قال لي أحدهم قبل أن أسافر بيوم واحد: “ستعودين برفقة رجل أوروبي وسيم”. لكنني أكدت له أنني لن أتحمّل برودة أعصابه، وقلتُ إنني أفضل الرجال السمر. لا أعرف لماذا نرغب دوماً برجال غاضبين راغبين بتحطيم العالم من أجل تفاحة، رجال يخاطبون النساء بتفوّق جيني قاتل، ويريدون ركل العالم بأقدام سمراء وأيدٍ بأصابع ضخمة، تهدّ الجبال. 

هنا تكتشف الواحدة صنفاً آخر من الرجال، يدخل مفهوم آخر إلى رأسها، وتقع حرب مع كل ما ورثته واكتسبته من مفاهيم. يتبيّن أن هناك رجالاً غير مخيفين.
 
 هناك دوماً شيطان ما سيدخل في اللحظة الرهيبة تلك. إنه قلب مدجج بالصور القاتمة عن قصص قاصرات، سُرقن من اللعب من أجل رغبة رجل بائس، وأخريات مُتن تحت الضرب، وغيرهن زُوّجن لمغتصبيهنّ.
 
قلب كهذا لا يحتمل رجلاً عادياً، ينظر في العينين، لا في المؤخرة. تجد تلك الواحدة نفسها غير قادرة على التفاهم مع رجل يستأذنها قبل أي شيء، ويعتذر ببساطة، ويداري ويمشي من حولها بخفة حتى لا يزعجها، وحتى لا يتطفل على حياتها. كيف تحبّ الواحدة رجلاً غير عنيف، أو على الأقل لا يأتي من بيئة عنيفة وأفكار وحشية عن الرجولة وعن الحب؟
 
تنظر الواحدة إلى قلبها، تجده مملوءاً برجال مغتصبين، متحرّشين، يثيرون الريبة والرعب، رجال تخشى معهم الحرام والحلال، تخشى الجلوس مع أحدهم في غرفة واحدة، وتخشى مسك يد من أياديهم الخشنة الضاربة.
 
كيف تتحدّث الواحدة مع رجل لا يعاني من أزمة وجود مع النساء، ولا يسعى إلى تدمير التي يحبّها فيما يحبّها؟
 
إنها مسألة شاقة حقاً. تخيلي أنّ في العالم الآخر رجلاً منشغلاً جداً بصيد السمك، على رغم أن الشاطئ يعجّ بنساء نصف عاريات. لكنّ النساء في نظره لسن كلهن احتمالات علاقات، ولسن سمكاً يسعى إلى اصطياده طوال الوقت.
 
في القطار إلى دوترموند التقيت رجلاً يتكلم الفلمنكية وبعض الفرنسية. المهم أننا التقينا في بعض الجمل الإنكليزية. أخبرني أنه يملك شركة للإلكترونيات لها فروع في أكثر من دولة أوروبية، ثم تابع يحدّثني عن موجة الحرّ التي تضرب أوروبا. استغرقنا في الحديث عن الطقس وعن الاحتباس الحراري. وضحكنا حين قلت له إنّ أوروبا قررت أن تتحول إلى أفريقيا، احتفالاً بوصولي.
 
لو أنّ الرجل ذاته كان من جنسية عربية، لكان تحوّل الحديث طبعاً إلى محاولة إثبات وجود، محاولة تأكيد الأهمية والعظمة والسيادة، من رجل غنيّ وصاحب سلطة، وعلى أي امرأة أن تعلق في شباكه. وأظنّ أنّ رجلاً كهذا لو كان لبنانياً مثلاً، لكان اختفى خلف نظارته الشمسية الغبية وبزته “السموكن”، ورفض التحدّث إلى الناس، وتحوّل إلى لاهث خلف نساء البوتوكس الفارغات وحسب.
 
تخيلي أنّ في العالم الآخر رجلاً منشغلاً جداً بصيد السمك، على رغم أن الشاطئ يعجّ بنساء نصف عاريات.
 
وصلنا إلى ألمانيا وتبادلنا سلام الوداع. انتبهت أنني لم أسأله عن اسمه، ولا أخبرته عن اسمي. كانت نزهة لطيفة مع رجل لم يكن راغباً سوى بالتحدّث وبعض الضحك مع فتاة التقاها ثم افترقا، بسلام وهدوء. لا أسماء، لا أرقام هواتف، لا عناوين، لا محاولات تعقّب، لا أسئلة بوليسية، لا نبش للنسب والأصل والفصل، لا تحليلات، لا إنشاء، لا معلّقات، لا قصائد، لا ضرورة لتجلسي جيداً أو ترفعي القميص أو تخفي ساقيك أو تبتسمي بحياء (بإمكانك أن تنفجري من الضحك لو أردتِ)، لا ضرورة لتخبريه عن ماضيك وتبرريه، إنه لن يسألك أصلاً… إنه رجل يحترمك بكل الأحوال، وليس لديه على فكرة أي خيار آخر.
 
أخبرتني صديقتي وهي تسكن في باريس منذ طفولتها أنها مغرمة برجل لبناني. قالت إنه “مدهش”، ويتصل كثيراً ويسأل كثيراً ويلاحق التفاصيل ويغار كمجنون. يبدو أن اللعنة قد وصلتها، إذ أنهت حديثها بجملتي تلك: “لا أتحمّل برودة أعصاب الأوروبيين!”.
 
لا أعرف حقاً أي صليب أثقل على النساء العالقات في المنتصف مثلي، تحمّل برودة رجل أوروبي، أو العيش مع زمرة رجال معقّدين، غريبي الأطوار والرغائب، يبحث بعضهم في نساء الأمّة عن أمهاتهم الخاضعات الساكتات المتحملات كل شيء والمستسلمات لكل شيء. فيما يريد آخرون نساء بأقل أضرار ممكنة، لا طموحات، لا علاقات سابقة، لا مزاجات، ويهرول الباقون خلف أشياء أكثر هشاشة، كالشفاه المنتفخة مثلاً أو الشعر الأشقر الطويل الذي يغطي رأساً لا ينفع لشيء.
 
الرأفة للعالقات في المنتصف!
نقلا عن daraj.com