الأب رفيق جريش
شهد الأسبوع الماضى فى فرنسا حدثا طبيا وإنسانيا مهما لم تلتفت إليها صحافتنا إلا أقل القليل، وانتفض له الكثيرون فى فرنسا وفى العالم، وألقت من جديد عدة أسئلة مهمة فيما يخص حياة الإنسان منها: هل من حق الطب إنهاء حياة إنسان مريض؟.

فقد شهدت ساحات المحاكم فى فرنسا معارك قضائية بين زوجة وبعض أقارب المريض الفرنسى فينسان لامبير من جهة، وبين والدته ووالده وأقارب آخرين من جهة أخرى، ففرقة الزوجة كانت تطالب بإنهاء حياته بمساندة طبية وفرقة الأهل وهم مسيحيون أتقياء يرفضون سلب الحياة لإنسان لأنهم يؤمنون أن الله هو خالق الحياة ومن حقه هو فقط أن ينهيها كما يشاء أو فى الوقت الذى يشاء، ولكن للأسف حكمت المحكمة نهائيًا لصالح فرقة الزوجة، ومارس أطباء مستشفى ريمز بحقه الموت بدعوى أنه رحمة له.

ورفعت الكنيسة فى أنحاء العالم الصلوات من أجل لامبير الذى وافته المنية يوم الخميس الماضى عن عمر يناهز اثنين وأربعين عامًا، بعد أن قرر الأطباء والعاملون الصحيون أن يقطعوا عنه التغذية والمياه فى الثانى من يوليو الجارى. فغرد قداسة البابا فرنسيس «أيها الله الآب اقبل بين ذراعيك فينسان لامبير. إننا نبنى حضارة تلغى الأشخاص الذين نعتبر أنهم ليسوا أهلا للبقاء على قيد الحياة لكن لكل حياة قيمتها على الدوام». لامبير لم يكن مشرفًا على الموت كما ورد فى التقارير الطبية إذ كان يتنفّس بطريقة طبيعية، وكان خفقان قلبه طبيعيًا للغاية. وكى يموت تعين على الأطباء أن يوقفوا الآلات التى كانت تغذيه اصطناعيًا وتمده بالمياه، فمات جوعًا وعطشًا بعد معاناة استمرت تسعة أيام.

وقبل يوم على وفاة لامبير غرد البابا فرنسيس مجددًا لَمَحَ فيها إلى هذه الحالة دون أن يسمّى الشاب الفرنسى وتحدث عن المرضى الذين يُتركون ليموتوا مؤكدًا أن «المجتمع يكون إنسانيًا إذا دافع عن الحياة، كل حياة منذ بدايتها وحتى موتها الطبيعى دون اختيار من هو أهل ليعيش ومن يتعين عليه أن يموت». وحث البابا الأطباء على وضع أنفسهم فى خدمة الحياة عوضًا عن العمل على القضاء عليها.

وقد تناول البابا فرنسيس قضية لامبير علنًا أكثر من مرة، وهى حالة نادرة. ففى إبريل من العام الماضى وخلال تلاوته الصلاة فى ساحة القديس بطرس بالفاتيكان طلب البابا من جميع المؤمنين الصلاة من أجل أشخاص مثل فنسان لامبير فى فرنسا والطفل ألفى إيفانز فى إنجلترا وغيرهما فى دول أخرى يعيشون فى حالة مرضية خطيرة ويتلقون المساعدات الطبية الأساسية.

وهى ليست المرة الأولى التى تُندد فيها الكنيسة بثقافة إقصاء البشر السائدة فى المجتمعات الغربية اليوم. فهذا تعاليم الكنيسة والبابوات المتعاقبين ففى مايو الماضى وخلال استقباله المشاركين فى مؤتمر بعنوان «نعم للحياة- العناية بعطية الحياة الثمينة فى أوضاع الضعف» وجه البابا إصبع الاتهام إلى ثقافة الإقصاء التى تعتبر بعض الأشخاص غير متلائمين مع الحياة، وهكذا يحكم عليهم بالموت وقال: إنه لا يمكن لأى كائن بشرى أن يكون غير ملائم للحياة لا بحكم السن أو الحالة الصحية أو جودة حياته.

وفى ينايرعام 2018 لفت البابا إلى مؤتمرين تطرقوا إلى موضوع مرافقة المرضى فى مراحل حياتهم الأخيرة، وذكر أيضًا بأن العديد من البلدان حول العالم قامت بتشريع «الموت الرحيم». وخلال استقباله أعضاء الاتحاد الدولى لمنظمات الأطباء الكاثوليك قال البابا فرنسيس لضيوفه إن الله أبانا يعتنى بكل شخص وبدون تمييز. وعلاج وشفاء كل شخص بشرى لأنه يريد أن يعطى الحياة والمحبة لكل شخص. وهى ملك لله وحده كما تؤمن بذلك جميع الأديان.
نقلا عن المصرى اليوم