يسرى مصطفى
يرتبط الحديث عن العنف ضد النساء في مجتمعاتنا بمفاهيم أساسية وفي مقدمتها المجتمع الأبوي، السيطرة الذكورية، المجتمع الشرقي، العادات والتقاليد. ومع ذلك فإن المجتمع الأبوي يفقد شرعيته التاريخية، والسيطرة الذكورية تتراجع معه، والكثير من أنماط العنف المعاصرة يصعب تفسيره من خلال العادات والتقاليد. إن العنف المرتكز على النوع الاجتماعي، في جانب كبير منه، ليس دليلا على هيبة السيطرة الذكورية بقدر ما هو نتيجة التوتر والقلق والخوف من فقدان هذه السيطرة. وبالتالي فإن الخطاب العام والمعمم حول سيطرة الرجال وخضوع النساء، وإن كان لا يخلو من مصداقية، إلا أنه لم يعد يعبر عن الواقع بشكل دقيق. إن النظرة السائدة في الخطاب المناصر لحقوق النساء بشأن ثنائية السيطرة/الخضوع تتجاهل حقائق تاريخية تتمثل في التحول في العلاقات بين الجنسين، بما يعنيه ذلك من تحقيق مكاسب للنساء والتي غالبا ما تكون غير منظورة عندما ينحو الخطاب المناصر لحقوق النساء إلى التعميم… وعلى ما يبدو أن الذكورة كشرت عن أنيابها ليس بسبب قدرتها على فرض سطوتها الكاملة، ولكن ربما بسبب عدم قدرتها على السيطرة بسبب المكاسب التى تحققت لقطاعات من النساء في العصر الحديث. وهذه القضية بدأت تتكشف مؤخرا من خلال بعض الدراسات التي بدأت تلفت الأنظار لأزمة الذكورة.

وهكذا فإن فرضية أن النظام الذكوري لا يزال يمتلك القدرة على أن يتجلى ويفرض ذاته في الوعي العام بوصفه نظاما طبيعيا أصبحت موضع شك. فزمن السيد أحمد عبد الجواد (سى السيد) في رواية نجيب محفوظ الذي كان نموذجا لهيبة السيطرة الذكورية آخذ في الأفول بعد أن تغير زمن زوجته أمينة التي كانت نموذجا للخضوع ولم تعد كذلك. وفي الحقيقة أن السيد أحمد عبد الجواد لم يضرب أمينة ولكن كانت مسيطرا بحكم معادلة السيطرة والخضوع والتي كانت فعالة بدون حاجة إلى المبالغة في العنف الجسدي، وذلك لأن سيطرة السيد عبد الجواد لم تكن مهددة، ولم يكن بحاجة إلى العنف المادي. هذا النموذج يتراجع ولم يعد قادرا على الصمود أمام متغيرات العصر وفى مقدمتها أن أمينة لم تعد أمينة الخاضعة.

إن صورة الذكورة في أنماطها التقليدية تهتز، فأعداد متزايدة من الرجال يحاولون تثبيتها من خلال التذكير بأنهم ذكورا أقوياء، لديهم القدرة على السيطرة والتحكم. وكما تقول الباحثة آمال قرامي: “ويتجلى تحرك الرجال أو مقاومتهم للمد النسائي في شكل خطاب يرفض تعريض الذكورة للاهتزاز يدلى به من كانوا فى مواطن صنع القرار ويظهر أيضا فى رفض السلفيين المعاصرين لكافة مظاهر تغيير المؤسسات الاجتماعية والسياسية والقانونية التى أدت إلى تحول فى وضعية المرأة والعلاقة بين الجنسين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد إذ تبدو “المقاومة الرجالية” فى ممارسات يومية عديدة تبرز التأزم الحاصل فى البنية العلائقية بين الرجال والنساء، وهو توتر يصل لحد اللجوء إلى العنف المادى واللفظى والرمزى. فكلما شعر الرجل بأن تطور المرأة هدد مكانته فى الخارج إزدادت رغبته فى عرض قوته داخل المنزل. فهو السيد المسموع الكلمة ذو السلطة التى لا تُنافس وعلى الزوجة أن تكون التابع والخاضع. وكلما نفى الرجل أزمته وأنكر مكابدته لشتى ضروب المعاناة ازداد تشبثا بممارسة العنف ضد لنساء، وهو إجراء يُتخذ لأسباب تعويضية دفاعية”.

وبالتالى، إذا افترضنا أن استراتيجية السيطرة الذكورية، فى جانب كبير منها على الأقل، باتت استراتيجية تعويضية، بمعنى استخدام كل الوسائل التى تعوض اهتزاز الصورة التقليدية، فلا غرابة إذن أن يكون الكثير من أشكال العنف ضد النساء أهم وسائل هذه الاستراتيجية من أجل الحفاظ على صورة باتت تفقد رونقها التقليدى، والانتقام من النساء بوصفهن المسئولات عن خفوت وربما تشوه صورة الذكورة. وفى خضم الصراع من أجل الدفاع عن هذه الصورة يتم استدعاء الصور النمطية عن الذكورة المتفوقة والأنوثة الخاضعة فى الموروث الثقافى والدينى. وقد ينظر البعض إلى هذا الأمر بوصفه عودة إلى الماضى، ولكن فى الحقيقة إنها محاولات الاستعانة بماض ولى لإضفاء مشروعية على ذكورة حالية متوترة وقلقة لا تجد ما يمنحها مشروعية فى الأطر المرجعية المعاصرة والتى باتت ترتكز بصورة متزايدة على مبادئ حقوق الإنسان واحترام الكرامة الإنسانية.
نقلا عن وطنى