كتبت – أماني موسى
قال الكاتب ووزير الثقافة الأسبق حلمي النمنم، أن حياة عميد الأدب العربي طه حسين، قصة كفاح جبارة، ولك أن تتخيل حياة كفيف في القرن التاسع عشر بمصر.
 
صاحب أول دكتوراه بالجامعات المصرية
وأضاف النمنم في لقاءه مع الإعلامي إبراهيم عيسي عبر أثير الإذاعة، ببرنامج "لدي أقوال أخرى"، كان متوقع أن يقرأ قرآن بالمقابر أو غيره، لكنه تحدى الإعاقة والظروف، وحصل على أول دكتوراه تقدمها الجامعة المصرية وفي موضوع بالغ الصعوبة وهو أبو العلاء المعري.
 
وهوجم في الصحف آنذاك بأن أول دكتوراه تخرج من الجامعة المصرية تكون عن "الزنديق" أبو العلاء المعري بحسبما وصفوه في ذلك الوقت.
 
ولم يكتف بذلك بل توجه للبعثة التي تقدمها الجامعة إلى فرنسا، وحين لم تستطع إدارة الجامعة الاعتذار لكونه كفيف البصر، فأرسل آنذاك لمدير الجامعة علوي باشا خطابًا أوضح فيه أنه يعلم جيدًا أن الجامعة لن تأخذه بالبعثة لكونه كفيف وأن هذا سيكلفهم ميزانية أخرى، وأنه يرغب بالسفر في هذه البعثة على نفقته ولن يكلفهم أي شيء إضافي، بل يمكنكم أن تمنحوني أقل من الطالب المبصر.
 
قيام الحرب العالمية الأولى
ثم تحول الظروف بينه وبين الدراسة هناك، بسبب أزمة مالية بالجامعة وقيام الحرب العالمية الأولى.
 
تعرفه إلى زوجته سوزان
وأشار النمنم إلى أنه في امتحان مادة الجغرافيا، كان الذي يقوم بتدريسها فرنسي متعجرف، لم يأبه بعاهة طه حسين وأصر على أن يقوم برسم الخرائط وخوض الامتحان كأي طالب مبصر، فجاءت السيدة سوزان التي أصبحت زوجته بعد ذلك، وكانت تضع يده على الخريطة ليقوم بحفظها، ثم يقوم بشرحها باللاتينية، وهنا انبهر الأستاذ الفرنسي حتى أنه اعتذر له بعد انتهاء الامتحان، مشددًا بقوله، طه حسين قصة كفاح ضخمة إلى أقصى حد.
 
عاش بشقة بسيطة في حي السكاكيني عقب عودته من فرنسا
وأنه عند عودته من فرنسا برفقة زوجته وابنته لم يد أحد في استقباله، واستقبله في منزله مدير الإسكندرية "أي المحافظ في ذلك الوقت"، ودس له في جيبه المال ليتمكن من استقلال سيارة أجرة عند عودته، وعاش في شقة متواضعة بالسكاكيني وكانت زوجته الفرنسية تنزل إلى سوق الكانتو لاستحضار قطع أثاث خشبية بسيطة تؤهل بها المسكن للمعيشة.
 
ما فعله الأزاهرة به وبزوجته أثناء إلقاء محاضرة!
وروى موقف أثناء عودته من فرنسا، وتمت دعوته لإلقاء محاضرة بجامعة الأزهر، وكانت برفقته زوجته التي تتأبط ذراعه وتسنده إلى كرسيه وتجلس خلفه، فحدث أن الأزاهرة على ما يبدو استكتروا زوجته عليه، فتغير موضوع الندوة في الحال ليصبح "خطورة الزواج من أجنبيات في مصر"، وكانت الندوة أشبه بحفلة سباب له ولها، فخرج متألم وأخذت هي تهدئ من روعه.
 
كتاب الأيام به أروع ما كتب عن ثورة 19
وحول مذكراته "الأيام"، قال النمنم أنها أرخت فترة بمصر، وما ورد بها عن ثورة 1919 يعد من أروع ما كتب عن ثورة 19، لكن مع الأسف الشديد لم يهتم الكثيرون بهذا الأمر، حتى أن محمد حسنين هيكل بقامته لم يكن يعلم بصدور الجزء الثالث من كتاب الأيام، وحين سأل طه حسين لنشرها بمصر، ضحك عميد الأدب العربي قائلاً أنها طبعت ونشرت بالفعل في لبنان.
 
لافتًا إلى أنه يعتقد بأن طه حسين لم يكتب كل الأمور عن شقيقه ومذكراته بباريس حفاظًا على علاقة الأخوة بينهم.
 
كان مبصر ولذلك قاتل طوال حياته لمواجهة الفقر والمرض
وأوضح النمنم أن طه حسين لم يولد كفيف البصر، بل مبصر، وأصيب بالعمى نتيجة الجهل والفقر في القرية التي نشأ فيها، بعد إصابته بالعين وإتباع طرق خاطئة للعلاج، ولعل هذا ما جعله متمردًا على قريته ومجتمعه والثقافة المجتمعية وواقعه وعاهته والأزهر فيما بعد، ولذلك كان يقاتل طوال حياته لمواجهة الفقر والجهل.
 
تغيير اسمه من طاهر إلى طه
وأيضًا جزء من التمرد كان في تغيير اسمه من طاهر إلى طه حين جاء للقاهرة، حيث ذهب للمحكمة الشرعية وطالب بتغيير اسمه، وهذا الكلام غير موجود بكتابه الأيام ولكن موجودة في مخطوطات ووثائق بوزارة الثقافة.
 
تم إحالته للنيابة بسبب مقال اعتبروه ضد سعد زغلول
وروى موقف أنه أثناء تدريسه بالجامعة المصرية وكتابته لعدة مقالات كان منها مقال يرفض فكرة الزعامة ويحذر منها، قائلاً: أخشى على الأمة المصرية من ألا تفكر لأن الزعيم يفكر، ومن ألا تقرر لأن الزعيم يقرر، فاستفز المقال سعد زغلول جدًا وعليه تمت إحالة طه حسين للنيابة باعتباره موظف في الحكومة، ويهاجم رئيس الحكومة، وكانت إجاباته بالتحقيق جميعها "لا أعرف"، ثم خرج من سرايا النيابة.