الأنبا إرميا
استكملنا الحديث فى المقالة السابقة عن «المُعِزّ لدين الله» الفاطمىّ واهتمامه بالتقرب إلى الرعية وتقديم النصائح لها، إلى جانب محبته الشديدة للمناقشات الدينية وأُعجوبة «نقل جبل المقطم». إلا أن زمان حكم «المُعِزّ لدين الله» الفاطمىّ على «مِصر» لم يدُم طويلاً إذ تُوفى عام ٣٦٥هـ (٩٧٥م) بعد أن حكم قرابة ثلاثة وعشرين عامًا قضَّى منها ثلاث سنوات تقريبًا فى حكم «مِصر»؛ ثم تولى الحكم من بعده ابنه «العزيز بالله».

أمّا عن أمور «الدولة العباسية» آنذاك، فقد سادها الضَّعف وكثُرت بها المنازعات. وفى أيام حكم «المُعِزّ لدين الله» الفاطمىّ على «مِصر» كان «المطيع لله بن المقتدر» هو الخليفة العباسىّ.

الخليفة «المطيع لله» (٣٣٤-٣٦٣هـ) (٩٤٦-٩٧٤م)
هو «أبو القاسم الفضل بن المقتدر بن المُعتَضِد» الملقب «المطيع لله». وقد ذكر المؤرخون عن اعتلائه عرش الحكم: «آلت الخلافة بعد «المكتفى» إلى ابن عمه «الفضل»، فاعتلى عرشها وتلقب بـ«المطيع بالله»، وظل فى كرسىّ الخلافة نحو تسعة وعشرين عامًا ونصف العام، ولم يزَل خليفة إلى أن خُلع فى منتصف ذى القِعدة سنة ٣٦٣هـ (أُغسطس سنة ٩٧٤م)، ولم يكُن له من الأمر شىء بل كان النفوذ فى عصره للملوك من «آل بُوَيه»...». وكما ذكرنا سابقًا فإنه مرِض فى سنوات حكمه الأخيرة فخلع نفسه، مقدمًا ابنه «أبا الفضل عبد الكريم» خليفةً له.

الخليفة «الطائع لله» (٣٦٣-٣٨١هـ) (٩٧٤-٩٩١م)
هو «أبو بكر عبد الكريم بن المطيع»، وتلقب «الطائع لله». تولى أمور الحكم بعد أن تنازل أبوه عن الخلافة لمرضه. لم يكُن للخليفة «الطائع» سلطان حقيقىّ أو دَور كبير فى حكم البلاد ـ شأنه شأن من سبقوه ـ إذ كانت قوة أمراء «آل بُوَيه» وسيطرتهم واسعتين؛ غير أن أيامه قد شهِدت انقسام أسرة «آل بُوَيه» على نفسها وتنازُع أفرادها على الحكم والرئاسة؛ وأدى ذلك إلى اضطراب أمورها فى «العراق».

كانت أمور الحكم الفعلية فى «العراق» بيد «عز الدولة» حتى عام ٣٦٧هـ (٩٧٨م) حين تغلب عليه «عَضُد الدولة» ابن عمه أمير الجبل و«الرَّيّ»؛ وهٰكذا آلت مقاليد الرئاسة إلى «عَضُد الدولة» الذى حضر إلى «العراق» وكان له حكمها واستتبت أموره بها، فسعى إلى فرض رئاسته على مناطق أخرى فتملك على «المُوصل» و«جُرْجان»؛ وقد قيل عن «عَضُد الدولة»: «ولم يقُم فى «آل بُوَيه» من يماثل «عَضُد الدولة» جراءةً وإقدامًا، وكان عاقلاً فاضلاً، حسَن السياسة، كثير الإصابة، شديد الهيبة، بعيد الهمة، ثاقب الرأى...». ظل «عَضُد الدولة» فى رئاسته حتى تُوفى عام ٣٧٢هـ (٩٨٣م) وآل الأمر إلى ابنه «صَمْصام الدولة» الذى ذُكر عنه ضَعف إدارته لشُؤون الدولة وتفاقم النزاعات والخلافات فى عهده. استمر «صَمْصام الدولة» فى إدارة البلاد حتى نازعه أخوه «شرف الدولة» أمير فارس واستولى على «العراق» عام ٣٧٦هـ (٩٨٧م). أقام «شرف الدولة» فى «بغداد» يحكمها حتى تُوفى عام ٣٧٩هـ (٩٩٠م)، وحكم أخوه «بهاء الدولة» الذى لم يخلُ عصره من المنازعات إذ دب شقاق ونزاعات شديدة بين الجنود الأتراك وجنود «الدَّيْلَم» انتهت بغلبة الأتراك.

فى عام ٣٨١هـ (٩٩٢م)، اضطربت الأمور فى «العراق» بسبب قلة الأموال؛ فثار الجند ثورة عارمة أسفر عنها قيام «بهاء الدولة» بخلع الخليفة «الطائع» ومصادرة أمواله. وهٰكذا انتهى عصر حكم الخليفة «الطائع لله»، الذى شهِد صراعات واقتتالات دامية بين الفاطميِّين والأتراك والقرامطة؛ ثم تولى من بعده ابن عمه «أبو العباس أحمد القادر بالله».

أمّا «مِصر» فى ذلك الزمان ـ كما ذكرنا، فكانت تحت حكم «العزيز بالله» ثانى الخلفاء الفاطميِّين، الذى قد تولى شُؤونها وهو ما يزال فى الثانية والعشرين بعد موت أبيه و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى
نقلا عن المصرى اليوم