د. مينا ملاك عازر 
خسر في الانتخابات البلدية ثلاث مدن من أهم مدن بلده، فرفض أن تكون العاصمة واحدة منها، فأعاد الانتخابات بها، فخسر خسارة مذلة، أقصى من الجولة الأولى واعترف بها، وهنأ الرابح الذي من الحزب المعارض الجاد في معارضته وليس المدفوع لينزل الانتخابات لتكتمل شكل الانتخابات الديمقراطية والمنافسة أمام العالم مثلا برغم أن الفارق يكاد يقارب الثمانية بالمئة إلا أنه أعترف ولم يزور.
 
يضع الآلاف من معارضيه في السجون التي تعج بالصحافيين المعارضين، المحكمة حكمت على المنقلبين عليه وعلى نظامه بمئة وخمسين سنة سجن، وبرغم هذا لم يتخذ إجراءات تزوير أو لم يهتم باللعب في الانتخابات، ربما لكي يبقي على البقية الباقية من صورته أمام العالم جيدة بعد أن لطخت بكل ممارساته القمعية حيال معارضيه المسجونين والمكممة أفواههم، ربما لأنه لم يستطع أمام الزحف الشعبي تجاه الانتخابات أن يزورها، بهذه المناسبة لا يفوتني أن أشير إلى أن سكان اسطنبول العاصمة عدلوا من مواعيد مصايفهم بعد إعلان أردوغان أنه سيعيد الانتخابات على رئاسة مدينتهم لكي يشاركوا فيها، ويكسبوا من يريدونه أن يكسب، لم يقولوا عملنا اللي علينا، والباقي على الله أو هنعمل إيه ده مش عايز يعترف بنجاح خصمه، يبقى أكيد حايزورها لما يعيدها مش حاننزل وكلام من هذا القبيل اللي ما بيأكلشي عيش.
 
الناس نزلوا وأصروا وزاد إصراراهم وكسبوا المعارضة بفارق مذل للنظام الحاكم المستبد القامع لشعبه ولمعارضيه، كان الانتصار كاسح تستطيع أن تعتبره نذر شؤم لأردوغان ونظامه، أنهم لزوال كمان أربع سنوات وأنه برغم تعديله الدستور ليفصله على مقاسه وليستمر في الحكم كانت فترة سوداء تنغيص عليه وخسائرها كثيرة وآلامها أكثر، أردوغان يعاني من لعنة تعديل الدستور لمصلحته ومصلحة حزبه، الشعب يثور شرعياً. 
 
طبعاً حضرتك ستقول أن هذه رسالة لكل شعب يظن أنه لا مناص من حكامه الظالمين الفاشلين المستبدين القامعين لإرادته وأن على الشعب أن ينزل في الانتخابات ويغير بشرعية ويطيح بالنظام المستبد، طبعاً الإجابة ببساطة هذا ممكن بالطبع لو كان النظام المعني من الشعب بالتغيير يترك فرص لاختيارات بينه وبين مرشحين آخرين أحسن منه أو مثله على الأقل، لكنه هناك بعد الأنظمة الضاربة في الاستبداد تختار معارضيها ومنافسيها في الانتخابات لتضمن أنها كسبانة كسبانة وأن الشعب لا يمكنه الاختيار بين السيئ والأسوأ فيفضل الإقلاع عن النزول للانتخابات أو ينزل ليختار الموجود من باب أحسن من غيره.
 
وهذا يظهر لنا خطأ أردوغان أنه لم يستطع عمل من هم أكثر استبداد وفشل وظلم وقهر منه، بأن أفسدوا المعارضة، أردوغان لم يفسد المعارضة قط هو قمعها قدر الاستطاعة لكنه لم يفسدها ولم يفسد مزاج وعقل الشعب وهنا يكمن العيب الأخطر في نظام أردوغان ما يهدد بقاؤه أنه لم يزل في الشعب التركي العقل والإرادة والعقل هنا الذي يستطيع أن يقيم النظام تقييم عقلاني بدون أن يقع تحت تأثير الإعلام الفاشي المطبلاتي الذي يصنع رأي عام مغيب.
 
المختصر المفيد لا بتعديل الدساتير ولا بالقوانين يبقى المستبدين ولكن بتغييب التعليم وإفساد المعارضة والإعلام.