فاطمة ناعوت
هذا المقالُ مُوجّهٌ إلى السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، ولكلِّ قيادىّ فى الحكومة المصرية والمحليّات ممَن يكرهون القبحَ وينشدون التحضُّرَ، ويخافون على اسم مصرَ الشريفِ أن تلوكَه الألسنُ فتقول إننا شعبُ الغلاظ المتنمّرين! مُوجّهٌ لمن ذاكروا تاريخَ مصرَ وعرفوا مجدَها القديم، فيخجلون أن يصنعَ السلفُ الصالحُ حضارةً راقية، فيجىءُ بعضُ الخلف الطالح ليُفسدَ ما صنعه السلفُ ويجلبَ على مصر الخِزى والمهانة. هذا المقالُ موجّهٌ لمن يعرف أن الجدَّ كان يشهَدُ لحظةَ وفاته قائلا: «يا ربُّ ارحمنى؛ فأنا لم أتسبّبْ فى دموعِ إنسان، ولم أُعذِّبْ حيوانًا، ولا نباتًا بأنْ نسيتُ أن أسقيَه».
 
دعونا أولا نتّفق على أن مَن يُعذِّب طفلاً، مُستندًا إلى قوّته، مقابلَ ضعف ذلك الطفل، لن يتوانى عن تعذيب امرأة لو أمِن العقاب. ودعونا نتّفقُ على أنّ من يُعذّب حيوانًا لا قانونَ يحميَه، سوف يعذّب إنسانًا لو امتلكَ عليه سلطانًا، لا يمنعه من ذلك إلا خوفه من العقاب، ولو أمِنَ فلن يحوشَه عن الطغيان والإرهاب إلا حيازةُ السلاح. وبالتالى فكلُّ إنسان يعذّب حيوانًا هو فى الواقع مشروعُ إرهابيٍّ عتيد وسفاحٍ مُتسلسِل، ووجوده حرًّا طليقًا يمثّل خطرًا داهمًا على المجتمع بأسره. تلك مسألة أمن قومى.
 
ولهذا، أتقدّم لكم أيها السادة صنّاع القرار فى بلادى ببلاغ رسمى، عبر هذا المقال، ضدَّ مجموعة من مشاريع الإرهابيين الطُلقاء الذين سوف يتحولون غدًا إلى سفاحين لو سنحت لهم الفرصة. أقدّم لكم فيديو حيًّا من سوق «برقــاش» بالجيـــزة، لبيع الجِمال، على هذا الرابط:
 
جِمال بثلاث سيقان، كسرت رابعَها عصًا غليظة فى يد طفل شرس. عيونٌ دامية مُدلاة من المآقى، اختلعتها سكاكينُ فحولٍ من بنى الإنسان. أفواهُ نوقٍ تصرخُ: «بأى ذنبٍ نُعذَّبُ يا بنى الإنسان، ونحن نقدّم لكم لحومَنا لتملأوا بطونكم الشرهة»؟! جاءت صبيّةٌ جميلة اسمها «أمينة»، ابنة الأديب الكبير ثروت أباظة، وسليلة عائلة الأباظية التى قدّمت لمصرَ أدباءَ وشعراءَ ومفكرين كبارًا، واشترت جملاً طفلاً حتى تُنقذه من يد سفاحٍ يملكه ويمزّق جسدَه دون سبب مفهوم! دفعت آلاف الجنيهات وهى لا تعلم بماذا ستفعل بجمل، ضيفًا ثقيلاً فى بيتها! فقط أرادت أن تنقذَه وكأنها أنقذت جميع الجِمال المُعذّبة فى سوق «برقاش»، التى تُعدُّ مزارًا سياحيًّا ليتفرّج السُّياحُ على شراستنا فى معاملة كائناتٍ لا تشكو ولا قانون يحميها فى بلادنا. وهل بوسع تلك الجميلة شراءُ جميع الجِمال المُهانة المعذّبة التى تقطرُ أجسادُها دمًا وتعرجُ على سيقان مهشّمة العظام؟! الأطفالُ يحملون الشومَ الغليظة ويضربون الجِمال كما يفعلُ آباؤهم وهم يضحكون فى هيستريا، بينما تسجيلاتُ الشيخ متولى الشعراوى تصدحُ فى الخلفية! سألتهم «أمينة» وهى تبكى: «ألا تعرفون ماذا قال اللهُ والرسولُ فى تعذيب الحيوان؟» فيقاطعونها ساخرين: صدق الله العظيم! ده أكل عيش يا مدام، يلّا انجزى هاتشترى إيه؟!
 
فى حفل اليوم العالمى للحيوان، الذى تقيمه كلَّ عام أمينة أباظة سفيرة اليوم العالمى للحيوان، عرضت علينا بعض فيديوهات تعذيب الحيوان فى مصر، وخصوصًا فى سوق «برقاش» فضجّت القاعةُ بصرخات الحضور غير مصدّقين ما يرون. وكل ما تطلبه السيدةُ الجميلة هو أن تعرف: «مَن هو المسؤول الذى نتوجّه إليه لوقف تلك الملهاة المأساوية التى تمتدُّ إلى سنوات مضت، ولن تتوقف إلا بقرار سياديّ حاسم؟» ولأننى لا أعرفُ إجابةَ سؤالها، رغم السؤال والبحث، فأنا اليوم أتوجّه بسؤالها إلى السيد الرئيس شخصيًّا اختصارًا للوقت والجهد. وأعلم أنه لن يخذلنا وسوف يأمر بمتابعة الأمر؛ هو الذى يرقُّ قلبُه لفتاة بائسة وطفلٍ من ذوى الإعاقة وامرأة فقيرة لا عائل لها. الرحمةُ لا تتجزأ، ومن يرحمُ إنسانًا مأزومًا لابد سيرحمُ حيوانًا أبكمَ أوقعه حظُّه العثر فى مجتمع لا يحترم حقّ عدم التعذيب. وكذلك الذى يقسو على حيوانٍ أعجمَ لا ينطق، لابد يومًا سوف يقتلُ طفلا أو شيخًا لا سندَ له. سيدى الرئيس، أضعُ مأساةَ الجِمال فى سوق «برقاش» بين يديك، وأثقُ بأنك لن تخذلنا.
نقلا عن المصرى اليوم