بقلم/ محفوظ ناثان
ننعتهم بالكفر ونصب جامات غضبنا عليهم في الصلوات، وفي نفس الوقت نفر إليهم بهموم قد أنهكتنا في أوطاننا. يستقبلوننا كأبطال رغم كل ما فينا، يحققون أحلامنا الضائعة في أوطان مزقتها الحروب وهزمها الجهل والتخلف والفقر والمرض. ينتشلونا من ضياعنا وينقذونا من حافة الموت. يمنحونا حب وكرامة إنسانية، ويحاربون من أجل تحقيق عدالة بلادهم فينا. ننجح ونكبر ونطالب بحقوق لم نحلم أن نطالب بها في أوطاننا. وعلى النقيض تمامًا بقدر ما نجد حفاوة وكرامة هناك، نلاقي هنا امتهان للكرامة وضياع للحقوق وهذه يشترك فيه الجميع.


هل ذهبنا يومًا إلى دور العبادة الخاص بنا في الغرب ووجدنا الأمن يمنعنا والشعب يهاجمنا ويرفع عبارات معادية لنا؟! أذكر أنه قام أحد معلمي إحدى المدارس بكندا بتصوير طالب من أصول عربية وهو يصلي، فاعتبرت السلطة المحلية أن هذا تمييز عنصري، وتم فصل ذاك المعلم. يا لهذا الحب! يا لهذه الكرامة! نأخذ حقوقًا فوق حقوقنا في بلاد غير بلادنًا.


لقد أنهكتنا الطائفية وقتلنا الحقد. إنها لمهزلة بكل ما تحويه الكلمة من معنى! كيف يُمنع أناس من الصلاة وهي أقدس الأوقات حينما يلتقي الإنسان بربه؟! هل أضحت الصلاة جريمة والعبادة سُبة؟! وحتى الموت لم يسلم من أحقادنا وتعصبنا المريض. كيف لا أجد مكانًا يُصلى علي فيه عند موتي؟! أي عقل بشري وأي استيعاب يمكن له أن يستوعب ما يحدث؟! أين الدستور ومواده وأين القانون وأفعاله؟! ألعله في غفلة من أمره أو أنه وقع في سبات عميق؟!
يا هذا كيف تجرؤ على منع أناس عُزَل سِلميين من الصلاة على ميت لهم؟! هل هذه كرامة الميت؟! هل بهذا تتقرب إلى الله؟! ما هذا الإله الذي يفرح ويتلذذ بتعذيب الآخر؟! حتمًا هو غير الله المحب العظيم القدوس الذي نعبده جميعًا.


تقتل هذا وتضهد ذاك وتخطف بنت ثالث، وتطلب أن تُقبل صلاتك؟! كيف لك أن تقف بين يدي الله الواحد الأحد الكاشف خبايا الأمور، وعَالم بمستوراتها وترفع يديك متضرعًا أن يقبلك؟! نَظفْ نفسك من أحقادك، وعش بسلام مع من هم من حولك حينئذ ستُقبل صلواتك.


إنه لأمر عجيب حقًا أن ننسى كل أتعابنا وهمومنا وفقرنا ومشكلاتنا الاقتصادية والاجتماعية، وننتفض بشدة عندما نرى شريكًا لنا في الوطن يريد الصلاة في دور عبادته، فنقوم على الفور بالهجوم والضرب والحرق فلا مكان للصلاة ولا كرامة لحي ولا حرمة لميت.


كيف يرانا العالم وكيف يعتبرنا، وكل يوم أحداث طائفية بالجملة من خطف للقاصرات وإجبارهن على تغيير دينهن، وغلق الكنائس ومضايقات في أماكن عدة؟! هذه هي بلدة كوم الراهب التابعة لمدينة سمالوط بمحافظة المنيا. مُنع أهلها من الصلاة وأُغلقت كنائسهم فلم يجدوا مكانًا ليصلوا فيه على أمواتهم، فقاموا بالصلاة في الشارع. والأدهى من ذلك هو قيام متشددين بإحراق منازلهم.


ما يحدث لمصلحة مَن؟! وأين هيبة الدولة وأدواتها؟! هل هذا هو الوطن الذي نحلم به جميعًا؟! هل سنحكي لأولادنا وأحفادنا عن أمجادنا أم عن أحقادنا؟! صدقوني أن الجميع خاسرون في معركة بهذا الشكل والمنتصر الوحيد هو قوى الظلام والشر. أفيقوا يرحمكم الله.