سليمان شفيق 

لن انسي هؤلاء ماحييت وحتي القاهم 
لازالت المنيا تجسد كل احلام الطفولة والصبا وتمتد خيوط الحلم حتي الشيخوخة ، ما بين جبلين ونهر ووادي وبشر ، وحارة عبد الحي التي ولدت بها يترعرع الحلم وينمو ويجف ويعود للنمو من جديد ، كانت طفولتي تركض امامي هذا الصباح ، تسبق ظلي ، وما بين طفولتي وظلي كانت ذكرياتي تخطو نحو بدايات المعرفة .
 
لا انسي من علموني ابي: شفيق سليمان ، كان رجلا بسيطا علمني حب الحياة وعشق الوطن ، تمتع بكل حكمة الفقراء وثراء معرفة المناضلين ، وعشق العلم عشقة لاولادة ، استدان وضحي من أجل ان نتعلم ، ونعبر من علي جسر التعليم نحو الحقيقة .
 
رفعت السعيد : حينما كنت اصعد الي درج التجمع كنت اراة في نهاية الدرج حلما وانشودة ، كانوا يختلفون معة ولا يختلفون علية ، تعلمت منة ان الانسانية لا تسير الا بأقدام اليسار، وان الحلم لابد ان ينطق بلسان طبقي، يبحث عن الحقيقة بالاختلاف ، ويروي ظمأ العدل بعرق العمال ، كان ابا وصديقا ورفيقا واستاذا ، ورحل وتبقت سلالم الدرج لمن اراد الصعود.
 
زكي مراد المحامي : مناضل كان النيل يفيض من ابتسامتة ، وحينما تنفرج الشفتين كانت الابتسامة تكشف عن وجة نوبي يجمع شاطئي النيل في جمجمة الالهة الفراعنة الاوائل ، كان العمال والفلاحين في العينين ، والحزب ضحكة تجري مع مياة النيل ، عشقت من سمار الوجة طمي النهر ، وعرفت من تضحياتة معني الحياة ، وحينما رحل تبقت ابتسامتة رحيقا للحرية .
 
عمي احمد الرفاعي :اخر موجات نهر المنيل الي الروضة ، من عمق النهر والدلتا تفيض كلماتة كأنها تراتيل عروس النيل التي تنتظرالعشق الالهي ، ويخفي خلف طيبة الفلاح عمق العالم ، دوارة مرسي للحلم ، ومن خلف جلباب العمدة ،كانت عيون الكلام تحمل صبرسنديانة خضراء تطرح طعم الخبز الخارج من فرن الحرية ، ورحل وبقت كلماتة في الحشا والقلب.
 
احمد عبد العزيز : من خلف النول اليدوي كان ينسج ثوب الحزب ، وفي الشارع الحسيني بالمنيا كان المعبد الذي نصلي فية للوطن والطبقة اناشيد الحرية ، عامل نسيج يساري ، يؤذن في من علي منبر الحرية صلاة لله والوطن والحزب ، اخشوشنت كفية من خيوط الحلم بحثا عن الحقيقة ، علمني كيف يكون العطاء لغة ، والتضحية منهج ، ورحل ولازال يعيش فينا .
 
احمد رشاد : طفل الطبقة العاملة الذي لم يفطم ، وعندما كان ينتابة الحلم يخرج محلقا في سماء الحرية ، يمسك بكأس القدر ويسكر من عرق الفقراء ويهتف بحب الوطن ، وعندما تحول الحلم الي كابوس هرب من الكابوس الي البحث عن "زوربا" ، وعانق معة كأس الحياة حتي اسكرة الحلم وغاب عنا ولكني تعلمت منة ان الواقع الذي لاتستطيع تغييرة اسخر منة.
 
فؤاد ناشد : بين شطوط حلم الحرية كان منزلة بسمالوط سفينة نوح نعبر بها نهر اليسار الي دير العذراء ، ومن صلب الجبل كانت بساطتة ، قديس يجوب يصنع خيرا في صمت ، ونسمة حرة في قيظ الوطن ، لم يكتب ولكنة عمل وعلم ، وحينما كانت تغيب شمس الحرية كان ينيرالطريق ، وعندما كنا نشعر بالظمأ كان ينبوع عذب، رحل ولازالت مياهة ترويني .
 
ويظل فؤاد ناشد عجمي، احد ابرز المناضلين اليساريين المصريين الأقباط ، وأيضا من "الاراخنة" الخدام الذين كان أسوار كنائسهم تتسع لاسوار الوطن ، تعرفت علية 1976 في سمالوط أثناء تأسيس منبر التجمع الوطني، جنبا إلي جنب مع الراحلين المناضلين:
 
أنور إبراهيم يوسف عضو مجلس محلي المحافظة ،والدكتور إبراهيم أبو عوف نقيب أطباء الأسنان بالمنيا، والقيادات العمالية ،احمد عبد العزيز واحمد رشاد واحمد شوقي ، والقادة الفلاحين عبيد عياد مرجان وشيخ العرب فاروق أبو سعيد ، حينما كانت مصر السادات حبلي بالثورة ، كنت الأصغر وسط هذة القامات، وكان الأقرب إلي هو فؤاد ناشد ، المهندس الزراعي ومسئول تنظيم الحزب منذ التأسيس وحتي الرحيل، أحب وطنه كما أحب كنيسته.
 
وفي الوقت الذي كان فيه قيادي تجمعي كان عضو مجلس إدارة النشاط الروحي بسمالوط، بعد أن هجم السادات علي التجمع بعد انتفاضة يناير 1977 والقي القبض علي معظم قيادات الحزب، وسجن من المنيا انور ابراهيم واحمد عبد العزيز واحمد رشاد وفتح اللة خفاجي وأنا، لم يبقي خارج الأسوار سوي فؤاد ناشد، وبتواضع قام برعاية أسر المعتقلين وأعطي لمن هم خلف الأسوار الأمل.
 
كل ذلك قام به في صمت ودون أن يعلم احد ، وكان يفتح مقر الحزب ويجلس فيه بمفردة لساعات ويسافر إلي القاهرة ، ويأخذ نشرة الحزب "التقدم" ويوزعها سرا علي الأعضاء بعيدا عن أعين الأمن، وفي نفس الوقت يجوب يصنع خيرا للفقراء، ويهتم بالعمل النقابي في نقابة الزراعيين واستطاع رغم هجوم السادات الضاري علي اليسار أن يفوز بعضوية مجلس إدارة النقابة الفرعية بالمنيا نوفمبر 1977، وحينما خرجنا من المعتقلات وجدنا الحزب قامته عالية ، واستطاع أن يجمع شتات اليسار وان يضم الطبيب الشاب د.
وجية شكري الذي صار أمين التجمع فيما بعد.
 
ووسط الملاحقات الأمنية كان يستطيع دائما تجديد نشاط الحزب في قري سمالوط من طرفا غربا إلي بني خالد شرقا، وسافرا للدراسة في موسكو وعدت 1987 لاجدة كما هو القائد القوي المتواضع الصامت ، كان التجمع حينذاك يضم قادة مسيحيين خدام حقيقيين مثل فؤاد ناشد والدكتور الصيدلي رمزي فهيم ، والدكتور مهندس ميلاد حنا ، والمحامي عريان نصيف وآخرين، ولم يكن هؤلاء يجلسون في الصفوف الاولي بمقاعد الكنيسة في الاعيادحتي يوجة لهم الشكر ـ كما يحدث الآن ـ وطوال الثمانينيات والتسعينيات كان بطلنا فؤاد ناشد يقود السفينة ويقدمنا نحن الشباب للقيادة ويجلس هو في مؤخرة الصفوف.
 
رحل أنور إبراهيم وأحمد عبد العزيز واحمد رشاد وعمي عبيد عياد وظل فؤاد سنديانة وارفة يستظل بظلها الفقراء والفلاحين الإجراء وأسس مع عبيد عياد وعريان نصيف وشاهندة مقلد ـ أطال الله عمرها ـ اتحاد الفلاحين تحت التأسيس ، وجاب معهم القرى والنجوع المنسية الأسماء علي طول الشط ، ولم يبخل فؤاد ناشد من جهد في الانتخابات البرلمانية التي قادها الحزب بالمنيا في معارك 1976و1984و1987و1990و1995و2000و2005، أختار المرشحين ولم يختار نفسه رغم انه كان الأقرب للنجاح، وانتصر في كل معاركة إلا معركته مع المرض حيث وافته المنية 2007.
 
هذا هو فؤاد ناشد البطل الذي لا يحتفي به احد، رحل في صمت كما عاش في صمت، وحينما أردنا أن نحتفل بذكري رحيله العاشر عاندتنا الأقدار ورؤى قبلية، ويبدو أن عمنا فؤاد ناشد سيظل يضحي حتى بعد رحيله، ولكن أبدا لن أنساك يا معلمي والرمز الوطني والكنسي، الرجل الهادئ الذي لا يعلو صوته في الأزمات، مملوء بالرجاء "قصبة مرضوضة لا يكسر وفتيلة مدخنة لا يطفئ"، سلاما عليك وعلي وطنك وعلي حزبك، وستظل تعيش فينا ما حييت. الان وانا اسطر كلماتي لن انسي هؤلاء .