لابد على المراقب الساعى إلى الفهم الموضوعى لمستقبل الصراع فى المنطقة، أن يشاهد بتعمق شديد مقابلتين للوزير جواد ظريف وسماحة السيد حسن نصر الله.

 
المقابلتان أذيعتا فى ليلة واحدة: الأولى أجراها جواد ظريف فى طهران مع الأستاذ غسان بن جدو فى قناة «الميادين»، والثانية أجراها سماحة السيد مع قناة «المنار».
 
المقابلتان تحتويان على رسالة واحدة يتم إطلاقها «ببراعة وكفاءة» لتسويق انطباعات محددة عبر فضاءات طهران وبيروت.
 
الرسالتان تحتويان على أهداف يكمل كل واحد منها الآخر.
 
مجمل الرسالة الإقليمية والدولية: «تفاوضوا معنا لرفع العقوبات لأن ثمن الحرب سيكون مدمراً».
 
تعالوا نحلل ماذا جاء فى كلام «ظريف ونصر الله»:
 
1- رسالة «ظريف» الإقليمية أن إيران ترغب ألا يذهب جيراننا إلى أى مجموعة تعادى إيران.
 
فى ذات الليلة قال «نصر الله»: «إنه من مصلحة السعودية والإمارات عدم الدخول فى حرب، وأننا على استعداد للحوار والتفاوض مع السعوديين لكنهم حسموا موقفهم».
 
ومعنى كلام «نصر الله» هو معرفة حزب الله وصول الرياض منذ 3 أعوام لعدم جدوى وجود قنوات اتصال مع الحزب على أساس أن الارتباط العضوى والمذهبى بشكل جوهرى مع طهران يجعل أى حوار غير ذى جدوى.
 
2- جواد ظريف أبدى إعجابه ودعمه لجولتى الحوار مع المبعوث الفرنسى، ورأى أن فى ذلك نوعاً من الاهتمام الإيجابى الأوروبى عبر فرنسا برعاية الرئيس «ماكرون».
 
وأبدى «ظريف» شكوكه فى قدرة «ماكرون» على إقناع «ترامب» بقبول منطق الحوار مع طهران دون ضغوط.
 
3- كل من ظريف ونصر الله يسعى إلى تسويق فكرة أن هناك متغيراً رئيسياً عند الأمريكان ودول المنطقة فى تجنب المواجهة العسكرية عقب ضرب مطار أبها وخط أرامكو وساحل الفجيرة وساحل عدن، وإسقاط الطائرة.
 
4- «وكأن إيران وحلفاءها قد انتصروا بالفعل»، ويريدون الآن الحصول على شروط المنتصر.
 
الخلل فى هذا التصور هو الآتى:
 
1- الآثار السلبية على الاقتصاد والمجتمع الإيرانى من الداخل نتيجة العقوبات.
 
2- معاناة كل حلفاء إيران فى المنطقة مالياً وعدم قدرتهم على تلبية احتياجات جمهورهم السياسى وتدبير أساسيات التزاماتهم الاجتماعية ووسائلهم الإعلامية.
 
3- وضع منظمات وأشخاص إيرانيين وحلفاء لهم فى المنطقة فى قائمة الإرهاب الدولى.
 
4- نتائج الخروج والتخفيض للوجود الإيرانى فى سوريا تحت ضغط صريح وواضح من روسيا.
 
5- إعلان واشنطن وحلفائها فى أوروبا وآسيا وكندا عن تشكيل قوة حماية بحرية وبحث تفاصيلها اللوجيستية خلال أسبوعين لضمان سلامة وحرية الملاحة فى خليج عدن ومضيق هرمز.
 
وجاء تصريح رئيس الأركان الأمريكى جوزيف دانفورد: «إن الولايات المتحدة تبحث مع دول صديقة تكون لديها إرادة سياسية لتشكيل قوة حماية بحرية».
 
شعور إيران بالقوة وحديث «نصر الله» عن أن أى طرف يتعاون مع الأمريكان ضد إيران لن يكون فى مأمن، هو جزء من عملية «تجهيز المنطقة والعالم لتسوية بشروط مشرفة للجانب الإيرانى».
 
كلام سماحة السيد عن وصول الصواريخ الإيرانية لكل المدن الإسرائيلية، وأن إسرائيل ستكون الهدف الأول فى أى ضربة وأن الخط الساحلى الإسرائيلى من نتانيا إلى أشدود بطول من 60 إلى 70 كم وبعمق 20 كم معرض تماماً للقصف من صواريخ حزب الله لتسويق التخويف من الحرب حتى يصبح التفاوض هو الاحتمال الوحيد الممكن.
 
أخطر ما جاء فى كلام جواد ظريف «دعوته لدول الخليج إلى الاعتماد والرهان على إيران لكونها الجهة القوية الموثوق بها».
 
مؤكداً أن «الأمريكان لا أمان لهم» وأن هناك اختلافاً جذرياً بين موقفى أبوظبى والرياض بالنسبة للصراع فى المنطقة.
 
هنا الأمر يستحق الرد من منظور أن كلام «ظريف» كسياسى ووزير خارجية هو كلام رجل مأزوم معزول سياسياً بعد خروج «ترامب» من الاتفاق النووى، وأن إدارة هذا الملف لدى ثلاثة هم: المرشد الأعلى، والأدميرال شامخانى، والجنرال قاسم سليمان.
 
ومحاولة «ظريف» إحياء فكرة قديمة لدى إيران وهى «أن الخليج الفارسى توجد فيه قوة إقليمية عظمى وحيدة هى إيران، لذلك يتعين على كل الدول المطلة على هذا الخليج أن تتبع طهران كى تحصل على الحماية منها».
 
وكأن السعودية والإمارات قاصرتان بلا جيوش وبلا حلفاء إقليميين وبلا معاهدات دفاع دولية.
 
وأستطيع أن أؤكد بالمعلومات وليس بالتحليل أنه لا يوجد أى تغيير فى تماسك التحالف الإماراتى السعودى، وأن مصدراً مطلعاً وقريباً أكد لى: «من الجنون أن نترك أشقاءنا من أجل أن نسلم رقابنا إلى الحماية الإيرانية».
 
سخر المصدر الخليجى رفيع المستوى وقال: «كلام ظريف شىء لا يصدقه عقل»!
نقلا عن الوطن