يوم 4 فبراير هو من أهم الأيام فى حياة تمكين المرأة لأنه اليوم العالمى لمناهضة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث (الختان)، هذه الممارسة التى يجب أن نتوقف عندها ونعمل على منعها لأن الأضرار التى تتسبب فيها هذه العادة البغيضة تتعلق بمستقبل وحياة ملايين من الإناث اللاتى أضرن بشكل واضح من هذه العادة، وفى المؤتمر الذى عقد فى مركز بصيرة لبحوث الرأى العام فى 13 يونيو الماضى والذى كان موضوعه «تمكين المرأة» والذى هو موضع نقاش فى الكثير من المؤسسات الدولية، كنت أتمنى على الدكتور ماجد عثمان أن يتعرض لمسألة الحفاظ على جسد المرأة وذلك من خلال عرض إحصائيات عن آخر ما توصلت إليه الأبحاث فى هذا الموضوع. وفى مقال مهم للدكتورة فيفان فؤاد ــ عضو مجلس الطفولة والتى تعمل على هذا المشروع منذ 2003 ــ يتضمن معلومات مهمة عن الجهود التى بذلت فى هذا المجال، هذه الورقة المهمة يجب أن تأخذها لجنة ختان الإناث كوثيقة مرجعية للجهد الذى بذل فى هذا المجال.

التركيز على نشر الوعى بين الأمهات والآباء عن مدى خطورة هذه العادة التى تمارس عادة بدءا من سن العاشرة إلى سن خمسة عشر عاما، وتقدر عدد الفتيات التى ترتكب بحقهن هذه الجريمة نحو ما يقرب من 200 مليون فتاة فى جميع أنحاء العالم، وعلى الرغم من كل الجهود التى تبذلها الحكومة المصرية ــ لوأد والقضاء على هذه العادة الإجرامية متمثلة فى وزارة الصحة ونقابة الأطباء والمجلس القومى للسكان مع اليونيسيف ــ لمحاولة تصحيح المفاهيم حول الختان إلا أن النتائج جاءت ضعيفة للغاية، وللأسف فإن هذه الحملة تشهد فترات حماسة يتبعها فترات فتور وهذا ما يعتبر خطأ فادحا، لأن الموضوع يحتاج إلى الاستمرارية بنفس القوة لأن هذه العادة متأصلة ومتجذرة فى المجتمع وفى نفوس الكثير من أبناء الوطن.

المؤسسات الدينية أيضا يقع على عاتقها مسئولية كبيرة فى هذا الأمر وسؤالى هنا موجه لرجال الدين: لماذا لا توجد هذه العادة السيئة فى السعودية مثلا؟ وليت العقوبات التى أقرها مجلس النواب فى سنة 2016 بتغليظ العقوبة من خمسة أسابيع إلى سبع سنوات تساهم فى تحقيق النتائج المرجوة، وهى عقوبة تتناسب مع جرم الفعل ولكن كل الخوف أن يتحايل الأطباء على هذا الأمر باستخدام أدوات طبية حديثة وخلافه من الأساليب التى يعرفها الأطباء جيدا فيفلتون من العقاب، ولذلك ليس بالعقوبات وحدها نقضى على هذه الظاهرة ولكن أيضا الثقافة والوعى يلعبان دورا مهما للقضاء على هذه الظاهرة. ومن ثم من المهم التركيز على المناطق النائية فى الصعيد وهذا يتطلب حملات شاملة تهتم بكل الأبعاد الصحية والثقافية والدينية لتوضيح بشاعة هذا الفعل، ولى تجربة مهمة فى هذا المجال حيث قمنا بعمل لجان محايدة (للبوح) ليتمكن البنات من الحديث عن الأشياء التى لا يستطعن الحديث فيها لأحد على شرط ألا يكون المستمع من مدرسيهم أو أحد الأقارب حيث لابد أن يكون المستمع محايدا وسمعنا من الحكايات قصص تقشعر لها الأبدان ووجدنا أن كل البنات الصغار الذين تحدثنا معهن يرفضن هذه العادة بل يكرهنها ويرتعبن عند سماع أى حديث عنها.
 
إن الأفكار الغريبة عن أن الختان يعفى من الزنا هو كلام مرسل لا يمت للحقيقة بصلة، حيث إن ذلك له علاقة وثيقة بالتربية وأخلاقيات الفرد، وارتفعت نسبة الوفيات بين الفتيات نتيجة لهذا الفعل الإجرامى من 32.4% عام 2005 إلى 53.9% عام 2014 وأرجو من مركز بصيرة أن يتتبع هذه النسبة الخطيرة وأن يعلن عن النسب الحديثة بخصوص هذا الأمر لأن هذه النسب مؤشر خطير للغاية على حياة أطفالنا.
 
هل نستطيع إنقاذ أطفالنا من هذا الخطر؟ هنا أريد أن أتناول هذه القضية من منظور حقوق الإنسان والمواثيق الدولية التى وقعت عليها من مصر فى الدورة الاستثنائية السابعة والعشرين للجمعية العامة فى الأمم المتحدة وعلى الإعلان الذى أقرته اللجنة بمناسبة الذكرى العاشرة للمؤتمر الرابع المعنى بالمرأة حيث تؤكد على ضرورة الالتزامات العالمية بالقضاء على جميع أشكال التمييز والعنف ضد الطفلة ويعتبر الختان أحد أشكال الاعتداءات على الجسد الذى أقرت منعه القوانين الدولية واعتبار حقوق الطفلة جزء لا يتجزأ ولا ينفصل عن جميع حقوق الإنسان وحرياته الأساسية.
 
يجب وضع السياسات والبرامج الكفيلة بتوعية الموظفين القضائيين والقضاة والمحاميين والمدعيين العامين والإخصائيين العاملين مع الضحايا لكفالة ملائمة الإجراءات القضائية لاحتياجات الطفلة، حيث أقرت الاتفاقيات أيضا منع ارتكاب أعمال العنف والتحقيق مع مرتكبيها ومعاقبتهم. 
 
ومن أهم البنود التى تضمنتها الوثيقة وضع وتنفيذ تشريعات وسياسات وطنية تحظر الممارسات الضارة الناجمة عن العادات والتقاليد ولا سيما ختان الإناث والتى تعد انتهاكا لحق المرأة وحرمانا لها من التمتع الكامل بما لها من حقوق وحريات، وضرورة مضاعفة الجهود المبذولة على الصعيد العالمى للتغلب على أى عوائق قانونية تعرقل الوصول إلى خدمات الوقاية من هذه العادات الخطيرة.
 
هل استخدام «موس» واحد لعشرات الفتيات، واستخدام رماد الأفران لكف النزيف، هل هذا من الإنسانية؟ أو من أبسط مبادئ حقوق الإنسان؟ نريد أن نعيش فى مجتمع أكثر رقيا وهذا لا يتحقق بالردع والقانون وحده ولكن بالتوعية والتثقيف وابتكار طرق تتوافق مع عقليات النساء الغارقات فى أفكار الماضى واكتشاف طرق جديدة تناسب خصوصية كل مجتمع بما يناسب ظروفه وثقافته.
هذا هو الطريق الوحيد لنحيا فى دولة ديمقراطية مدنية حديثة.
عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان
نقلا الشروق