تفشت ظاهرة غريبة ودخيلة علي مجتمعنا بتحويل كل مظاهر الحياة وما يتصل بها ،الي مجرد كلمات ،فأنت يمكنك تحقيق رفاهية وربما ثراء اسطوريا ،إذا رددت دعاء يصلك علي الهاتف او علي وسائل التواصل الاجتماعي ،وذلك دون ان تغادر ،ليس منزلك فحسب ،بل دون ان تغادر فراشك..

ومن ثم فلا داعي ان تتعب نفسك وتعرق وتشقي لتأمين حياة كريمة لك وكذلك لأبنائك وحتي لأحفادك ،بالاسهام في بناء الوطن..

وفي حال ألم بك مرض ،فيمكنك الاستغناء عن زيارة الطبيب ،بترديد الدعاء المرسل لك ،بعدد المرات المقترحة ،ايا كانت طبيعة المرض او ضراوته..

والطامة الكبري ان اعدادا لا حصر لها تتبع بدقة وقناعة تامة هذه "التعليمات" التي يؤكد مصدروها ،انها مؤكدة ومجربة ،وعلي رأي المثل ،اسأل مجرب ولا تسأل طبيب..

ولدي وقوع خلاف بينك وبين جار او صديق قديم او حتي مع احد افراد الاسرة ،فما عليك إلا ان تطلب من الله عز وجل ان ينتقم لك منه ولا داعي لآي صلح أو أي تفاهم !!!..

والأدهي ان يكون الخلاف مع جهة او دولة تعادي الوطن ،فلاداعي للجهاد دفاعا عن الارض والعرض ،بل تتحقق هزيمة العدو بالدعاء عليه وبأن يقوم الله،نيابة عنك ، بتدميره..!!! 

وفي ذات السياق ،فليس مطلوبا منك ان ترهق نفسك بالبحث عن سبل التقدم ولا الابتكارات ،مثلما تفعل دول عديدة ،قفزت الاف السنين في التقدم ،مما حقق لها ولشعوبها الرفاهية ،بدرجات متفاوتة وحسب نوعية الانجاز الذي تحقق،لان هؤلاء القوم أخذوا كل نجاحاتهم وابتكاراتهم ،من القرآن الكريم،ولا تغامر وتسأل ،لماذا لم نقم نحن بذلك مادام الكتاب بين ايدينا ،وهل يقرأون هم لغتنا العربية؟..

ان التدين الشفهي اصاب قطاعا لا بأس به من شعوبنا ،بالخمول والتواكل وهو ما يهدد حياتنا وايضا حياة الاجيال القادمة ،لا سيما وقد طالت فوضي التدين الشفهي مستقبل الامة ،بدعوات البعض ،القائلة بان كل انسان يأتي ورزقه معه ،في تحريض مفزع علي فوضي الانجاب ،بحيث نزيد سنويا مليونين ونصف مليون نفس ،اي ما يقارب دولة كل عام ،تحتاج الي غذاء وكساء و مؤسسات تعليمية ، ورعاية صحية ،من اطباء الي مستوصفات ومستشفيات ،والغريب ان احدا من مروًٓجي "التدين الشفهي" لا يشير من قريب او من بعيد الي ان العمل عبادة ،والي الآية الكريمة:وقل اعملوا فسيري الله عملكم ورسوله والمؤمنون..

والي قول الرسول بصدد تنظيم النسل :اعقلها وتوكل..فكلنا نتكل علي الباري عز وجل ،ولكن ليس مقبولا ان نلغي عقولنا وارادتنا ونترك انفسنا لعبة في أيدي المتاجرين بالدين ولا تتحرك مشاعرنا لمشهد أطفال الشوارع أو الرجل الناضج وهو يقف في الطريق مشيرا الي فمه ومتوجها الي سائقي السيارات بانه ،عنده ٨ اطفال ولا يقدر علي اطعامهم،وكذلك المرأة التي تحمل رضيعا وتضع بجوارها طفلين او اكثر لتستدر بهم شفقة المارة..

ان كرامة الطفل من اهم دعائم بناء الشخصية السوية وهو ما يبدو امرا عسيرا في ظل عشوائية الخطاب الذي يعمل علي تغييب العقل والارادة والاستسلام ل"التدين " السهل ،الذي لا يطلب منك سوي ان تتحول الي ببغاء يردد حرفيا ما يدعي الاخرون انه ،رسالة مؤكدة الوصول الي السماء،او ،رقية شرعية،فيها شفاء من كل الأمراض ،الي آخر التعليمات الشفهية ،التي انساق اليها كثيرون ،وتركوا البحث والتقدم والبناء ،لقوم آخرين ..

ولكن بعد ثورة يونيو ،يتوجب علينا جميعا،حكومة واهالي ،ان ننفض غبار التدين الشفهي ،وان نغادر اقفاص الببغاوات ،لنعيش الواقع كما هو فعلا وان نغيره الي الافضل ،بارادتنا وعقولنا وقلوبنا ،بان نخرج من عالم الاوهام والخرافات إلي إعلاء شأن العقل والابداع، وان نوقن تماما ان علينا استثمار كافة الجهود والامكانيات لعودة ام الدنيا الي مكانها ومكانتها