بقلم :د. مينا ملاك عازر
قطعاً لو انخفاض سعر الدولار الحالي بسبب زيادة الموارد الحقيقية كانت تبقى حاجة ممتازة، لأن ساعتها تنخفض الأسعار، وكنت سأكون أسعد واحد في مصر، وأرفع القبعة للمجموعة الاقتصادية، ولكن المشكلة أن السبب الوحيد للانخفاض الحالي هو تدفق الدولارات الساخنة في صورة سندات وودائع عشان يستفيدوا من ارتفاع سعر الفائدة على الجنية المصري في البنوك المصرية.
 
الحكاية تبدأ بأنه لما رفعوا سعر الفائدة على الجنيه جاء المستثمر الأجنبي ومعه حفنة دولارات مقابل كل 1 مليار دولار حولهم جنيهات بقى معه 18 مليار جنيه، فقام أودعهم في صورة ودائع وسندات بفائدة 16% فأصبح معه بعد سنة 21 مليار جنيه، وطبعاً لما حول الدولارات لجنيهات عمل وفرة في الدولارات في السوق المصرية ونزل سعر الدولار الى 17 جنيه وأقل، وأيضاً زاد الاحتياطي الدولاري، هنا أود تذكير سيادتك أن في هذه الحالة هذه ديون وليست موارد، فإذا ظلت أسعار الفائدة مرتفعة ستبقى فلوس الخواجة في بنوكنا، ولكن إذا نزلت أسعار الفائدة في مصر أو قامت أي دولة أخرى برفع أسعار الفائدة أعلى منا سيجمع المستثمر الأجنبي إياه أمواله ويذهب هناك، ولدوام انتقال الأموال هذه يسمونها أموال ساخنة. 
 
قد تقول لي، وماله لكن في مثل هذه الحالة تكمن المصيبة، فالمصيبة أنه لما يجي يخرج يحول أمواله التي بقت بالجنية الى دولارات مرة أخرى، لكنه سيحولها بالسعر السائد ساعتها وليكن 17 جنيه مثلاً، طبعاً حضرتك ستقول لي ما هو كده خسر جنيه في تحويله للعملة لكن الحقيقة أنه لو خرج بعد سنة واحدة فقط يحول 21 مليار جنية إلى مليار وربع دولار، أي أنه كسب 25% سنوياً فايدة منا في حين أن الفايدة على الدولار في بلده لا تزيد عن 2% فقط.
السؤال هنا، ما هي تقديراتنا لحجم الأموال المعروفة بأنها ساخنة التي دخلت السوق المصري أو بنوكنا؟ أكثر التقديرات تحفظاً، وضع هنا تحت تحفظاً مليون خط، تشير لدخول 18 مليار دولار ساخنة في آخر سنتين، وهذه الدولارات متى تتحول لجنيه مصري ستكون فائدتها السنوية قرابة 77 مليار جنية مصري سنوياً كفوائد سيحصل عليها بالطبع المستثمر الأجنبي.
 
ليس هذا فقط، بل أنه من المتوقع طبعاً لما تخرج الدولارات هذه سيرتفع سعر الدولار إلى أعلى من 18 جنيه مرة أخرى، ويهبط الاحتياطي الدولاري الوهمي مرة أخرى. 
 
بالمناسبة، هذا بالضبط ما يحصل الآن في تركيا، حيث تنهار ويقل الاحتياطي النقدي لديهم، وسبق وأن حدث في الأرجنتين قبل هذا، وأيضاً في الفلبين قبلها.
هنا علي أن أتوقف للحظات أشير فيها أن من يأتي بهذه العملية الساخنة في بنوكنا أدبا مني اسميه مستثمر، هو طبعاً مستثمر لأمواله لكنه في حقيقة الأمر مستغل لضعفنا واحتياجنا وخيبتنا الاقتصادية، وعدم وعي الحكومة لما يجري وجرى من قبل في عام 2016، إذ تكررت نفس العملية ولكن بشكل سريع وحاد، فانخفض الدولار لشهر ثم عاود الارتفاع وقت أن كانت هي تصدر سندات حكومية، وشرحت هذا وقتها في برنامجي لسعات.
 
اسمح لي صديقي القارئ، أن أتوقف هنا، فالمساحة لا تكفي الاستمرار لكني في المقالات القادمة -بإذن الله- سأتحدث عن نتيجة ما يجري إذا استمرت الحكومة في ممارساتها هذه والحلول -بإذن الله- لكي نخرج من هذه الكارثة.
 
المختصر المفيد لماذا نكرر أخطاءنا ألا يعد هذا جريمة.