الأب رفيق جريش
انتظرنا بشغف ما يسمى بـ«صفقة القرن» وتجددت بعض الآمال والأحلام بأن أخيرًا قد تجد القضية الفلسطينية من يأخذ بيدها، ولكن للأسف الصفقة ولدت فأرًا، فإذ بالشق الاقتصادى للصفقة الذى طرح فى ورشة عمل التى انعقدت فى البحرين ينعقد فى ظل تغطية إعلامية كبيرة ليزيد من إحباطنا إحباطًا ويزيد من آلامنا آلامًا جديدة، وحسنًا فعلت السلطة الفلسطينية بأنها لم تشارك فى هذه الورشة، وكذلك الحكومة المصرية لم تشارك بوفد رفيع المستوى كأنها استشرفت نتائج هذا المؤتمر المهينة، فبعد أن دفع العرب والمصريون سبعين عامًا من الدم الغالى والأرض الغالية، تأتى الولايات المتحدة داعية لمؤتمر ظنت أن بريق المال سيجعل هامات العرب تنثنى لها، كأن القضية كانت موقوفة على المال وليس على الأرض والعرض والتاريخ وما إلى ذلك.

ففلسطين ليست سلعة تجارية، تباع وتشترى، خاصة بعد كل هذه السنوات الطوال من الصراع العربى - الفلسطينى والتى أفرزت حروبًا ضارية وأزمات سياسية طاحنة، وما هو الأهم من هذا وذاك هو الإنسان الفلسطينى الذى تشرد هنا وهناك وسلبت أرضه وانتهكت حرمته وتلاشت إنسانيته، فضلًا عن ظهور الحركات الأصولية التى بدورها أفرزت الإرهاب الذى يعانى منه كل العالم الآن ولتكون لعبة فى يد الأمم الكبرى والعصابات حتى الصغرى منها.

وعملت إسرائيل ومِن ورائها أمريكا على كسب الوقت، وللأمانة عمل أيضًا العرب والفلسطينيون على تضييع الوقت عليهم حتى كادت القضية الفلسطينية أن تُنسى ولم تعد من أولويات العمل السياسى لدى الحكومات العربية التى تريد أن تلتفت لتنمية بلادها، وكذا دول العالم والهيئات الدولية التى فترت لديها الاهتمام بالقضية الفلسطينية.

من النتائج الخطيرة لهذا التشتت هو إحباط الشباب إحباطًا شديدًا لا يعرفه شباب آخر، فمنهم لا حق لهم فى العودة إلى أرضهم وديارهم، ومنهم لا يجد حياة كريمة فيعيشون فى تضييق من السلطات الإسرائيلية وضيق فى كسب الحياة الكريمة والحق فى العمل، فيتحولون إما للراديكالية أو الهجرة، وهذا كله يُضعف مستقبل دولة فلسطين التى إذا استمر الوضع على ما هو عليه ستصل إلى حالة اللادولة.

ورشة القرن هى فى رأيى ضمن سلسلة من الإجراءات، هدفها طمس القضية الفلسطينية وتأجيل حلها تأجيلًا نهائيًا وأبديًا بدعوى الاهتمام بالمكاسب الاقتصادية، فبدأت بالإعلان الأمريكى أن القدس عاصمة إسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها وضم مرتفعات الجولان للإراضى الإسرائيلية، وكل هذه الإجراءات ظالمة وتفتقد إلى أدنى قيم العدالة وحقوق الشعب الفلسطينى، والغريب أن العالم الذى يصف نفسه بالحر يتكلم أحيانًا على استحياء ولكن فى الغالب صامت، ولكن على العرب والفلسطينيين ألا يصمتوا وإلا سيصمتون إلى الأبد.
نقلا عن المصرى اليوم