ماجد سوس
كتب الآباء الرسل هذه المقولة في كتاب الديسقولية – كتاب تعاليم الرسل الكرام - والذي كتب لينظم الحياة الكنيسة في الكنيسة الأولى، مناشداً الأب الأسقف أن يمحو الذنب بالتعليم وقد أخذ بهذه المقولة العديد من الآباء بعد ذلك وهناك من أخذها حين يرى لزامها وكان من أبرزهم في العصر الحديث المتنيح البابا شنودة الثالث تأكيدا على أهمية نشر التعليم كمدخل أساسي في إصلاح الإخطاء داخل الكنيسة .
 
على أن معرفة من له حق التعليم لا تقل أهمية عن التعليم نفسه، وحتى وإن وجد من له حق التعليم علينا أن نعرف كفاءته في التعليم والمستمد من علو ودراسة وتلمذة وهنا يظهر التواضع وينجلي حينما تجد من له حق التعليم ولكنه عرف قدر نفسه فصمت ليتعلم وهو المحسوب على المعلمين لذا انظروا كيف كان يجلس البابا كيرلس على كرسه ويجعل غيره يقوم بالوعظ لأنه رأى أنه لم يملك تلك الموهبة وهو الممتلىء بمواهب عدة. 
 
أما اليوم فإننا نرى عجباً حولنا وقد ملأنا الدنيا صياحاً وضجيجاً مستغلين طفرة وسائل اتصالات والتواصل المجتمعي المتطورة جعلنا منها منصة لإطلاق أسلحتنا في مواجهة أرقب الناس لنا في مسرحٍ كبيرٍ يقف على خشبته من لا موهبة لهم ليسوا بلا علم ولا فهم ولا محبة فحسب بل بأهداف بعضها معلن وأغلبها مبهما مريباً بلا التزام بوصية المسيح بلا احترام ولا توقير للكنيسة ورأسها المنظور وفي النهاية تجد نفسك أمام قليلون مؤهلون صامتون وكثيرون سطحيون صاخبون والضحية هم البسطاء المُعثَرون.
 
"البيانات" حدّث ولا حرج فقدت أهميتها والغرض منها وأصبحت غالبيتها للحد وللتشهير وأصبحت تتلقفها صفحات بعينها، صفحات على الميديا وجدت لا من أجل الوحدة أو الإيمان كما يدعون بل من أجل الفرقة وتمزيق الكنيسة وجعلها أحزاب بعضها لبولس وبعضها لأبولس وتناسوا المسيح ومنهجه وأصبحت فكرة حماية الإيمان شماعة يعلق بها البعض تبريرهم للهجوم غير اللائق على آباءهم وأساتذتهم.
 
منذ أيام اجتمع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية برئاسة قداسة البابا تواضروس الثاني وقبل أن ينتهي المجمع فوجئ الجميع ببيان سُرِّب من داخل المجمع ووضع على صفحات على الفيسبوك وتويتر صفحات معينة بالذات صفحات دأبت على  مهاجمة قداسة البابا باستمرار بحجة الإيمان والحفاظ عليه بتشنج وتطاول وناهيك عن كل هذا غرابة صدور بيان من آباء كرام لهم كل الاحترام والتقدير، لديهم آلية قوية لتقديم ما يشاؤون داخل مجمعهم المقدس دون حاجة لبيان ينشر للشعب ولا سيما أن قداسة البابا حكيمٌ حليمٌ لأقصى درجة.
 
إحدى القنوات الفضائية استضافة نيافة الحبر الجليل الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس والرجل تحدث عن قرارات المجمع وتوصياته في هدوء وفي تعليق أكثر من رائع عن كل قرار أو توصية أتخذها المجمع وحينما أتت التوصية التي طلبها بيان الآباء تكلم نيافته بكل لياقة عن أهمية استخدام القنوات الشرعية داخل المجمع لئلا يستغل البعض هذا الأمر لعمل انقسام في الكنيسة وحين سأله المحاور عن أحد الآباء الذي إعتاد على نشر بيانات ضد كل ما يقوله البابا رد نيافته ان المشكلة أن يأخذ أحدهم وكان يقصد من خارج المجمع كلمة من هنا او هناك وسطر من هنا أو هناك للوقيعة بين أعضاء المجمع ونعت هؤلاء بالمعقدين نفسياً وهو وإن خانه التعبير بعض الشيء إلا أن الأمر بالفعل يرتبط بخلل نفسي في داخل هؤلاء وكالعادة أيضاً ترك البعض فحوى الكلام وأهميته وصور لهم خيالهم أن الرجل كان يقصد زملاءه في المجمع وهذا لم يحدث لأنه كان واضحا في أن هذا سيتسبب في الوقيعة بين أبناء الجسد الواحد.
 
أما بخصوص التوصية الخاصة بتشكيل لجنة لمراجعة الإيمان ووضعه في قانون فأنا ضد هذا القانون حالياً في ظل تلك الأجواء الملتهبة وأناشد آبائي أعضاء المجمع المقدس بالامتناع عن فعل هذا على الأقل في هذا الزمان لأنه سيؤدي إلى انقسام حاد وشروخاً كبيراً في جسد الكنيسة يصعب معه ترميمها وسأقولها بكل صراحة وأرجو أن يتفهمني البعض جيداً نعم إيمان واحد معمودية واحدة وعقيدة واحدة ولكن دعونا نتحدث بكل صراحة ووضوح أن هناك من يأخذ ما يشاء من كتابات الآباء وأقوالهم ويترك ما يشاء ليخدم معتقده فمن يتمسك بشروحات البابا شنودة للإيمان والعقيدة سيتمسك بها دون أن يسمح لأحد مناقشته ومن يتمسك بشروحات الأب متى المسكين سيفعل أيضاً وكل له حججه واسانيده وهذا له شعبيته الجارفة وذاك له شعبيته الجارفة أيضاً ونعود لفكرة هذا لبولس وهذا لأبولس بينما الأمر يتطلب حكمة كبيرة جدا نازلة من فوق.
 
 نعم أنا طالبت من قبل أن يعقد مجمع مسكوني أرثوذكسي بحضور علماء دارسين متخصصين على درجات عليا في اللاهوت والعقيدة،  إكليروس وعلمانيون ويضعون أمامهم كل تعليم طرح في الكنائس الأرثوذكسية ويعكف العلماء على الدراسة والبحث بكل نزاهة ودون إلتفات لمن الكاتب ومكانته أومن القائل ويجعلون من الروح القدس مرشدهم وقائدهم وحتى يتحقق هذا الحلم علينا ألا نزيد الأمر تدهوراً إذا قمنا بوضع قانوناً جديداً للإيمان ولو عن طريق سؤال وجواب وخاصة في الأمور التي يصعب التوافق عليها كحلول الروح القدس والخطية الجدية وشركة الطبيعة الإلهية وفكرة البدلية العقابية وغيرها من الموضوعات الشائكة وحتى يحدث هذا فلنصلِّ بلجاجة من أجل وحدة الكنيسة ونحب الآخر محبة حقيقة ونقبله أخاً في المسيح بكل أفكاره وآراءه دون تكفيره أو هرطقته أو الحكم عليه ملتفين حول بابانا الأنبا تواضروس الثاني ونعود خاضعين لروح الله القدس الذي له أن يمحو فينا الذنب بالتعليم لا بالتشهير.