بقلم/ محفوظ ناثان
ما إن هَمَّ الأب بالخروج من المنزل حتى تعلق به طفله ذو الثلاثة  أعوام، خرجا سويًا إلى السوق ليبتاعا شيئًا، والطفل ممسك بيد أبيه لديه شعور لا يوصف وإحساس لا يُنتَزع. تتملكه السعادة الغامرة والفرحة العارمة عندما يعطيه والدُه الشيكولاتة، ويشعر أنه يمتلك الدنيا بكلتا يديه. أمان تام وسلام يفوق العقل لأن مصدر الأمان – والده – بجواره وبين يديه.


يعتقد الكثيرون منا بأن الأمان في الأجهزة الأمنية وحدها، وإن كان هذا في غاية الأهمية للحفاظ على السلام المجتمعي وضمان التعايش بين أفراد المجتمع خاصة وإن كانت تلك الأجهزة تطبق القانون بحيادية تامة وموضوعية مطلقة دون الانحياز إلى طرف دون الآخر. لكن أيضًا الأمان يعني أشياء كثيرة فهو استقرار عاطفي ومادي، وإحساس بالحب والتضحية، والشعور بالراحة والطمأنينة. الأمان هو بعيد كل البعد عن الخوف الذي هو مصدر الانزعاج والقلق. عندما تتحقق العدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، وتوفير التوزيع العادل للموارد بحيث تضمن العدالة في الأجور والمرتبات حينئذ سيشعر الفرد بالأمان. وعندما لا تكون القوانين حبيسة الأدراج وغير مفعلة وتُطبق على كافة أفراد المجتمع دون تفرقة أو تمييز حينئذ سيشعر المواطن بالأمان.


الشعور بالأمان يتحقق ايضا عندما يدرس الطالب ويجِّد ويتعب ويتخرج ويجد وظيقة أو عمل لائق يناسب قدراته العقلية والنفسية، ويرقى لطموحاته. عندما تجد المأكل والمشرب والمسكن - دون الصراع على لقمة العيش – فهذا شعور بالأمان، فقد قال الكاتب الراحل (أنيس منصور): "في معركة البحث عن لقمة العيش ننسى في كثير من الأحيان لماذا نعيش". عندما تعبر عن رأيك بحرية تامة بلا تجريح، وتمارس حقك الفكري دون قمع أو تعذيب أو اعتقال فهذا إحساس بالأمان. عندما تمسك المرأة بيد حبيبها وتضع رأسها على صدره ويغمرها بالحب ويمنحها كل الاهتمام والسعادة، فهذا من أسمى أنواع الأمان.


كيف يتسنى لأب يتضور أبنائه جوعًا ولا يستطيع أن يوفر لهم الطعام والشراب أن  يشعر بالأمان؟! كيف له أن يشعر بالأمان عندما تأتي المدارس ويأتي معها الخوف والهلع بسبب التكاليف الباهظة ناهيك عن الثانوية العامة وتبعات النظام التعليمي الذي لا يرقى لطموحات المواطن؟! عندما تضع يدك في جيبك لتشتري سلعة ما ولا تجد ثمنها، فعن نوع من الأمان نتحدث؟! أسعار سلع مثل البطاطس والليمون وغيرها تصل إلى أرقام فلكية، وتجد الكثيرين في حالة من الاستياء والضجر بسبب نقص سلعة ما أو غلو ثمنها. إنه استشعار الخوف يا سادة.


يقول علماء النفس أن الشعور بالطمأنينة وعدم الخوف أو القلق والثقة بالنفس هو الأمان النفسي. الذي يعزز الأمان النفسي هو تلبية الاحتياجات الأساسية للإنسان طبقًا لنظرية (ماسلو) والدعم العائلي والعلاقات العاطفية السليمة، أما الذي يهدم الأمان النفسي هو إنعدام الثقة والمرور بخبرات سلبية.