فى مثل هذا اليوم 2 من يوليو 1925م..

سامح جميل

شهدت الكونغو ميلاد الزعيم المنتمى إلى قبيلة "باتيليلا" وهى جزء من قبيلة المونغو، وهو من أبناء النخبة الكونغولية التى حظيت بالتعليم فى فترة الاستعمار البلجيكى المتحالف معها.
 
عمل لومومبا موظفا فى البريد ثم التحق فى عام 1955 بالحزب الليبرالى البلجيكى موزعا لمطبوعات الحزب، وفى ذات العام دبرت له تهمة كاذبة بأنه اختلس أموالا من البريد فسجن وأطلق سراحه بعد عام من الاعتقال، فى عام 1958 كون مع زملائه حركة وطنية كانت تؤمن بالوحدة الأفريقية (تأثرا بأفكار الزعيم الغانى كوامى نكروما)، وبعدها بعام إعتقل لتنظيمه مظاهرات ضد المستعمر البلجيكي، فقد كانت خطاباته النارية ومقالاته الحماسية فى الصحف المحلية والخارجية تلهب حماس الجماهير ضد الإستعمار البلجيكى والتى شرح فيها جرائم البلجيك ضد شعبه وبلده معتمداً على البراهين والادلة المستقاة من ملاحظاته والتقارير والاحصاءات الصادرة من الاوساط البلجيكية حول الاموال الطائلة التى هربها المستعمر إلى بلجيكا.
 
كان لومومبا صاحب أراء ومبادئ إنسانية صلبة لا تقبل المساومة ولا ترضى بأنصاف الحلول والمراهنة ولهذا سجنه البلجيك عدة مرات، عانى خلالها التعذيب والاهانة فى كل مرة، وفور خروجه من السجن كان لومومبا يواصل عمله المقدس ضد المستعمر بنفس الهمة والنشاط فزاد عدد أنصاره بإضطراد. 
أدرك البلجيك أنهم على مفترق الطرق بين إنفجار ثورة بركانية لا تبقى منهم احداً وبين طريق المراهنة الذى راهنوا على كسبه، فاستدعوا لومومبا للتفاوض معه حول مصير بلده وانتهت المفاوضات بالإتفاق على إجراء إستفتاء شعبى عام فى الكونغو تحت إشراف دولى لمعرفة رغبة الشعب أو رأيه فى الاستقلال، هذه النتيجة هى قول حق أُريد به باطل لأن البلجيك كانوا واثقين أن قوى الشر المسلحة وعملائهم المحليين قادرون بسهولة على تزوير الانتخابات، واعتماداً على هذا الافتراض جرت الانتخابات العامة.
 
كانت نتيجة الإنتخابات أول مفاجئة غير متوقعة هزت بلجيكا والعالم الاوربي، فقد حصل لومومبا على نحو 90% من الاصوات رغم الجهود المستميتة التى بذلت للتلاعب بنتائج الإنتخابات.
 
تظاهرت بلجيكا بقبول هذه المفاجئة حفاظاً على ماء الوجه أمام الرأى العام الاوربي، وصار لومومبا رئيساً للوزراء لحكومة الكونغو الفتية، وجرت فى العاصمة كينشاسا حفلة كبرى ابتهاجاً بالاستقلال فى يوم 30 - 6 - 1960. كان رئيس الجمهورية "كازا فوبو" رجلاً هشاً، ولذلك صعد نجم لومومبا كثيرا وأصبح يمثل حجر عثرة فى طريق البلجيكيين لذلك كان القرار هو وجوب التخلص من لومومبا بأسرع وقت ممكن.
 
حتى عام 2001 ظلت تفاصيل إغتيال لومومبا غامضة إلى أن قام الكاتب البلجيكى "لودو دى فيتي" بنشر كتاب فى بلجيكا بعنوان "إغتيال باتريس لومومبا" أظهر للملأ تفاصيل ما جرى بالفعل، فقد تم إعتقال لومومبا ونفيه إلى الإقليم المنشق "كاتنجا"، وقاموا بتعذيبه عن طريق ربطه فى جذع شجرة وأمطروه بوابل من الرصاص، دفنه الجنود على عجل ثم نبشوا قبره فى اليوم التالى لقرب المكان الذى دفنوه فيه من الطريق العام، وأخرجوا جثته وقطعوها إربا وأذابوها فى حامض الكبريتيك المركز، حتى أن أحدهم كسر فك لومومبا وانتزع سنين من أسنانه ليحتفظ بهما على سبيل التذكار، وليريهما فى المستقبل لأحفاده فى بروكسل (عاصمة بلجيكا)، مع تذكار آخر هو واحدة من الرصاصات التى قضت على الرجل.
 
إن ما حدث من جريمة بشعة فى تلك الغابة كان نتيجة منطقية جدا للحملة الشرسة العنيفة التى قامت بها بلجيكا (بمساندة الولايات المتحدة) فى الكونغو لتضمن عدم تمكين لومومبا من حكم بلاده التى انتخبته رئيسا للوزراء،..!!