أسامة غريب
عندما يمد شخص يده ليلمس جسد فتاة تسير بالشارع أو عندما يقترب رجل من أنثى ثم يفاجئها بإلقاء كلمات فاحشة وبذيئة فى وجهها فإن رد فعل السائرين فى الشارع الذين شهدوا الجريمة لا يخرج عن الضحك الرقيع أو الضحك المستحيى مع بضع كلمات ساخرة تظهر التعاطف والمواساة للمجرم المسكين الذى يعانى الكبت والحرمان، بينما الفتيات الفاسقات لا تعرفن الرحمة وتسير الواحدة منهن فى الشارع ترتدى الحجاب أو تتسربل فى الإسدال فتثير الذكر الهائج بطبعه وتستفزه باحتشامها وملابسها الواسعة الفضفاضة!.

كان بودى أن أقول تستفزه بفستانها القصير الكاشف للساقين والكتفين والذراعين لولا أن هذا النوع من الملابس اختفى من مجتمعنا منذ عشرات السنين، ولهذا فإن المتحرشين اليوم يهاجمون المحتشمات وسط ما يمكن أن نطلق عليه رضا شعبيا وقبولا مجتمعيا ليس من جانب الرجال فقط لكن من النساء أيضاً. المتحرش فى مجتمعنا مثلما هو فى أى مكان عبارة عن كلب مسعور لا يميز بين المحتشمة والسافرة لكنه فقط يشتم رائحة الأنثى ويسعى خلفها فى حماية أهله وأصدقائه وفى حماية من يسيرون بالشارع ممن لا يعرفونه!. لقد أعجبنى جداً تعليق فتاة فى معرض ردها على رجل وجّه لها انتقاداً بشأن بنطلونها الضيق..قالت له: لماذا لا تدير وجهك للناحية الأخرى كما تفعل عندما يتحرش بى أحد فى الشارع وتتظاهر أنك من بنها!. فى ظنى أن الرجل لا ينصر الفتاة التى تتعرض للانتهاك لأسباب عديدة منها شعوره العميق بالعجز من الداخل، العجز عن الكسب والإنفاق والعجز عن دفع عسف السلطة، لذلك فهو يتمنى للجميع الانكسار حتى يكونوا معه فى الهوا سوا، كما أن هناك سبباً آخر للمساندة المجتمعية للكلب العقور وهى أن الرجال والشباب والصبية والأطفال الذكور فى غالبيتهم متحرشون، والرجال فى دفاعهم عن السافل الممسوك بالجُرم إنما يدافعون عن أنفسهم بأمل أن يجد كل منهم من يدافع عنه ويسانده عندما تمسك بخناقه الفتاة التى لمسها أو أسمعها كلماته الفاحشة!. وربما تكون ظاهرة الاستخفاف بالأنثى واستسهال الإساءة إليها قد تصاعدت مع تسونامى التدين الذى ضرب المجتمع ومعه انتشرت أفكار عن أن أكثر أهل النار من النساء وعن أنهن ناقصات عقل ودين.. لعل هذه الأفكار التى عدّها الناس رأى الإله فى المرأة هى التى جعلتهم لا يقيمون كبير وزن لفتاة تصرخ بعد أن أمسكها شاب مكتمل العقل والدين من صدرها فى الشارع!. الناس ببساطة تتخلى عن الطرف الضعيف بدلاً من أن تنصره، وسأضرب لكم مثلاً يؤكد ذلك: هل يستطيع أحد أن يتحرش بالسيدة فيفى عبده لو أنها نزلت الشارع بملابس مكشوفة؟ الإجابة: لا أحد يستطيع، لأن جميع الرجال يعلمون أنها بمكالمة تليفون تستطيع أن تطعمهم حذاءها وتستطيع أن تُلبس جميع الرجال طُرحاً مزركشة ومناديل بأويه!
نقلا عن المصرى اليوم