الانبا موسي
1- الصيف ضيف عزيز ينتظره الشباب بلهفة.. كيف لا وهو عنوان الراحة من عناء الدراسة، ومجال الترفيه والرحلات، وتحقيق الهوايات والطموحات المتنوعة؟!

التعامل مع الهدف

2- ولكن الصيف أيضًا سارق محترف.. فهو يستطيع بمنتهى السهولة أن يسرق وقتك، وطاقاتك، وذهنك، وروحياتك، وربما أبديتك!!

3- وأنت نتاج وقتك يا صديقى.. قل لى كيف تستخدم وقتك، أقل لك من أنت!

- لذلك يا صديقى العزيز، علينا أن نقف سويًا أمام هذا الضيف الذى ننتظره كل عام، لنعرف كيف سنتعامل معه، ونستفيد منه؟

فحين تبدأ الإجازة الصيفية يبدأ الإحساس بالفراغ، لكن الفراغ لا يكون فى الوقت بل فى الفكر والقلب.

فالفراغ يبدأ من الداخل وليس من الخارج!! فراغ الداخل أخطر بما لا يقاس من فراغ الوقت!! والقلب المشغول يثمر ذهنًا مشغولاً، ثم وقتًا مشغولاً ثم أعمالاً بناءة!! لهذا فالرب نفسه حين طلب منا شيئًا لم يطلب أوقاتنا بل قلوبنا، وهكذا قال: «يا بنى أعطنى قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقى». (ام 26:23).

1- فراغ القلب:

ما أخطر أن يعيش الشباب بقلب بعيد عن الله، وبعيد عن هدف فى حياته. والقلب هنا هو ينبوع الحب، والاهتمامات والحماس. القلب هو الحلم والهدف، والتطلع والطموح السليم، والرؤية المستقبلية، والحماس المتجدد!! شباب بلا حماس هو شباب تائه وسطحى!! وما أخطر أن يحيا الإنسان بلا رسالة، ولا هدف ولا طريق، لأنه سوف يتخبط يمنة ويسرة، وإذ يفقد البوصلة يتوه، ومن يتوه يعرض نفسه حتمًا للهلاك!!

هل تشعر أن لك رسالة فى الحياة؟ وأن هدفك واضح ومحدد؟ أقترح عليك مثلاً أن يكون هدفك: «أن تسعد نفسك بالله، وتسعد آخرين به» حينئذ ستكون حياتك مليئة ودافئة، فيها المشاعر والصلاة والخدمة والإحساس بالآخر، والملء والسعادة الحقة. بل فيها النمو والطهارة والقداسة، فيستحيل أن تهاجم الخطيئة قلبًا مملؤًا بالحب، ومشغولاً بما هو بناء ومفيد. وبالعكس «فالعقل الكسلان معمل للشيطان» كما علمونا منذ الصغر!!

2- فراغ الفكر:

ما أخطر أن يكون العقل فارغًا وبلا ثمر!! فالعقل كالمطحنة، والنوع الذى تقدمه لها ستطحنه وتعطيه إياك مطحونًا إن كان قمحًا أو نوعًا آخر من الحبوب، أو حتى مجرد حصى!!

من هنا يكون للذهن المشغول، والفكر النشيط، والعقل القراء، دور مهم فى تقديس الحياة وإشباعها، وفى تكوين الشخصية الإنسانية لتكون «إنسانية» حقًا!!

إن ما يميز الإنسان عن بقية الكائنات: روح تصلى، وذهن يفكر!! أما أن يكون لنا جسد يأكل، وغرائز تتحرك، فهذا نشترك فيه مع المخلوقات الأدنى. لذلك فطوبى للشاب القراء، لأنه سيقترب من الملء والطهارة!! ألم يقل لنا الآباء: «أتعب نفسك فى القراءة فهى تخلصك من النجاسة…»، القراءة تقوّم العقل الطواف؟!!

اقرأ كثيرًا فى الثقافة الدينية، والثقافة العامة، لتتكامل شخصيتك، ويمتلئ ذهنك بالمعرفة.

3- فراغ الوقت:

هل يبقى بعد ذلك فراغ فى الوقت؟ لا أعتقد!! بل لعل شكواك المستمرة ستكون: «الوقت لا يكفى» ماذا أفعل؟ الالتزامات كثيرة:

- التزامات دينية: كالصلوات وقراءة الكتب الدينية، والذهاب إلى دور العبادة.

- التزامات فكرية: كالقراءة العامة فى ميادين المعرفة المختلفة: الثقافة والآداب والفنون والعلوم.

- التزامات خدمة: كالإحساس بالآخر وخدمة الأحباء من حولنا.

- التزامات أنشطة وهوايات: ممارسة الأنشطة المختلفة مثل: الكتابة والتمثيل والإخراج وفرق التسبيح والرسم والموسيقى والنحت والأشغال اليدوية و… إلخ.

- فكرة التخصص فى شىء ما: كهواية فنية، أو دراسة دينية، أو بحث فى موضوع معين طوال الصيف.

- وهناك عدة سمات نفسية وروحية يجب أن نشير إليها ونحن نتحدث عن أفضل الطرق لاستخدام الوقت فى الصيف:

أولاً: تقدير قيمة الوقت

أولى السمات اللازمة لحسن استخدام الحياة هى تقدير قيمة الوقت.. فأنت محصلة وقتك.. فالوقت الذى تقضيه فى عمل أى شىء يكوّن الملامح لشخصيتك، وأفكارك، واتجاهاتك العميقة.

أ- فإن كنت تقضى وقتك فى السرحان والتشتيت والسخرية والهزل مع أصدقاء السوء، فماذا تنتظر من إضافة لشخصيتك؟!

ب- وإن كنت تقضى الوقت بين مشاهدة الأفلام وممارسة الألعاب فقط، فكيف تنتظر بنيانًا عميقًا لفكرك ولكيانك الداخلى؟

إن القرار الأول الذى يجب أن تتخذه هو حسن استثمار أوقاتك، وحسن توظيفها من أجل حياة مثمرة وبناءة.

وإن كان الكلام ينطبق على العام بأكمله، فهو يستحق وقفة خاصة فى فترة الصيف، حيث إن هناك متسعا من الوقت لتحقيق ما لا يمكن تحقيقه فى فترات الدراسة الطويلة، والتى تبتلع أغلب اليوم، إن لم يكن كله.

لا أعتقد أنك ستجد وقتًا لكل هذا ولكن.. املأ فراغك القلبى بالتدين، ثم فراغك الفكرى بالقراءة، وستجد أنه ليس لديك وقت فراغ، إذ إنك ستملؤه قطعًا بأمور بناءة ومثمرة لمنفعتك، ومنفعة أسرتك، وأحبائك، ووطنك.. والرب معك. فى الأسبوع القادم إن شاء الله نتحدث عن تنظيم الوقت.
نقلا عن المصري اليوم