حمدي رزق
استُشهد «النقيب مصطفى»، فتَلَهَّيْنا بـ«كابتن وردة»، ناس تستشهد وناس تتحرش، ناس تحتضن الموت وناس.. وناس، وعِدّ الجروح يا ألم!

أخشى من الخشية بِتْنا عن الأبطال غافلين، وهم قائمون على الحدود، عين باتت تحرس فى سبيل الله، مواكب الشهداء تتقاطع فى الكفور والقرى والمدن تعلن الشهادة ونحن ساهون مُغيَّبون، حزين على حالنا، نتَلَهَّى بحكايات مَرْوِيّة على حوائط إلكترونية، نتَلَهَّى عن بطولات أسطورية بغزوات غرامية، بطولات شبابنا فى سيناء أَوْلَى بالحكى.

حزين ونحن ننتحر اختلافًا ونتمزق شِيَعًا وأحزابًا، وهم على قلب رجل واحد، ننهزم داخليًا وهم منتصرون، نتباكى على علاوات ومعاشات ومزايدات، وهم مرابطون على الحدود، أخشى صرنا لا نعتبر لتضحيات الغُرّ الميامين، ولا تهزنا بطولاتهم كالأساطير، ولا نقف إجلالًا للموت، الموت مثل الحزن ما بقالهوش جلال، التفاهات صارت لها سعر فى السوق، والإعلانات تغرق الشاشات، ونجوم الشباك ليسوا الشهداء، طوبى للشهداء فى أوطانهم.

ونجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه؟!، بطول الحدود وعرض البلاد هناك جند مُجنَّدة من خيرة الأجناد، ينتظرون منكم الدعاء، مَن لم يَجُلْ فى صحراء الواحات القاحلة فى غرب البلاد فى الحدود المتاخمة لليبيا أو يخطو على خطوط التماس شرقًا، أو يحترق بلهيب الصحراء جنوبًا، لا يعرف حجم تضحيات هؤلاء.

وسعادتك مُتَوَسِّد المخدة فى الصالون المكيف وتُغرد وتُتوّت، هناك شباب يقاسى الأمَرَّيْن فى الصحراء، مناخ قارى يقطم المسمار بردًا، ويسيل من حر صيفه عين القطر «النحاس»، ليل موحش، ونهار قائظ، وشتاء سيبيرى، وصيف استوائى، بحار من الرمال الناعمة لا تحتمل وزنًا، يغرق فيها العصفور، وتلال وهضاب وجبال واعرة، وحشة الصحراء المصرية قفارها مكتوبة على جبين الرجال.

فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير، كل ضابط هنا وحده أسطورة، «المنسى» أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون.

عشت ليالى وأيامًا فى مَعِيّة الأبطال، وسجّلت شهادات، وكل مَن التقيته أمس، أودعه اليوم، مفكرتى الصغيرة لاتزال تحوى أسماء أحياء شهداء، أو شهداء أحياء، أعَزّهم الله بالشهادة وكتب لجيشنا النصر، حزين على فراق الأحبة منهم، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن.
نقلا عن المصرى اليوم