مؤسسة مجاز الثقافية المدير المسئول احمد عز العرب 
تقديم المفكر الاسلامي جمال البنا 
يونيو 2019 ، 240 صفحة من القطع المتوسط 
سليمان شفيق
لا يمكن كتابة شهادة عن الأب وليم سيدهم اليسوعى.. دون ربط الراهب الثائر، والمثقف العضوى، والزاهد «أبوشبشب»، بما أنتج من ممارسة وفكر واستنباط للاهوت التحرير وتمصيره، تعرفت على أفكار لاهوت التحرير من خبرتى فى أربعة بلدان فى أمريكا اللاتينية: البرازيل، والسفادور، وكولومبيا، وبيرو، وتعرفت على اسم الأب وليم من آباء لاهوت التحرير، وفى القاهرة 1996 تقابلنا، رجل بسيط.. ذو جمجمة فرعونية، وسحنة مصرية أصيلة، كان شتاء يناير ذو الطقس الغائم يخيم على سماء القاهرة والرجل يرتدى بنطلونا وقميصا من اللون الأسود، و«بلوفر» رماديا «كالحا» يبدو عليه القدم، و«شبشب» فى عز الشتاء، ولأنى تعودت على الكهنة والرهبان الذين يرتدون زيا خاصا.. لم أتخيل هذا الرجل إلا أحد عمال مدرسة العائلة المقدسة (الجيزويت) جلس بجوارى، سألتة: أين الأب وليم؟ انفرجت أسارير الرجل ورد: أنا!!!
 
ثلاث ساعات اكتشفت الخبيئة التى تسكن ابن جراجوس، الرابضة فى عمق الجنوب الأقصرى ترتوى من عبق الحضارات الفرعونية والبيزنطية واليونانية، تفيض ضحكتة مثل موج النيل، والشفتان شاطئان، والأسنان صخور تتوسطهما، تصطدم بهما ضحكاتة فتعود كلماته إلى شط الحديث، عيناه منيرتان واسعتان كقنديلين من قناديل مصر القبطية، ينيران حوارنا.. لن تصدقونى إن قلت إننى لا أتذكر من حوارنا الأول الذى امتد لساعات سوى ضحكات من القلب، ونقاء روحى، وكلمة (الثورة)، للحظات كنت أشعر أننى أمام ناسك من علماء مدرسة الإسكندرية الأولى.. حينما كان «الأبسط هو الأعلم والأعلم هو الأقدس».
صخور تتوسطهما، تصطدم بهما ضحكاتة فتعود كلماته إلى شط الحديث، عيناه منيرتان واسعتان كقنديلين من قناديل مصر القبطية، ينيران حوارنا.. لن تصدقونى إن قلت إننى لا أتذكر من حوارنا الأول الذى امتد لساعات سوى ضحكات من القلب، ونقاء روحى، وكلمة (الثورة)، للحظات كنت أشعر أننى أمام ناسك من علماء مدرسة الإسكندرية الأولى.. حينما كان «الأبسط هو الأعلم والأعلم هو الأقدس.
 
هكذا كان الاب والصديق وليم سيدهم اليسوعي ، مثال للمثقف العضوي كما قال "جرامشي" ، وراهب يحمل في قلبة الروحانية الاغناطية والفقر الاختياري الانطوني والعفة بكل جوانبها الحسية والفكرية ، وها انا اتناول الطبعة الجديدة من كتاب (كلام في الدين والسياسة) في عنوانة الجديد "قضية التنوير ولاهوت التحرير" ، 
 
يقول الاب وليم في مقدمة الطبعة الثانية 😞 قضية التنوير ولاهوت التحرير)، وقد احتفظنا بمقدمة الشيخ جمال البنا نظرا لقيمتها التاريخية" ، والحقيقة استطيع الان ان اقدم شهادة للمقدمة وللراحل الكريم الشيخ جمال البنا حيث كان الاب وليم يريد ان يكتب له المستشار طارق البشري المقدمة ، ولكن المستشار رفض لاسباب تخص انتقالة الفكري من اليسار الي التيار الاسلامي ، فما كان مني الا ان عرفت الشيخ جمال البنا علي الاب وليم وكتب المقدمة ، بل وصار صديقا مقربا من الاب وليم وحضر معنا الكثير من الندوات عن لاهوت التحرير ، والورش العملية ولم يبخل علينا حتي الايام الاخيرة من حياتة ، لذلك كنت اتمني ان يضم الاهداء اسمة جنبا الي جنب مع د وليم سليمان قلادة .
 
الكتاب يتكون من اربعة اجزاء :
الجزء الاول : الخلاص الجمعي وانة لا خلاص فردي للانسان بل لابد ان يكون الخلاص مطلبا جماعيا والا اصبح ناقصا .
الجزء الثاني : يتناول وضع الكنيسة القبطية الكاثوليكية وهويتها المصرية واعتبارها جزء من كل الشعب المصري ، وهي متجذرة في تاريخها وانتمائها الي مصر رغم صغر حجمها .
 
الجزء الثالث : يتحدث عن التعددية الثقافية في مصر من خلال نموذج متي المسكين وابو الوليد ابن رشد .
 
الجزء الرابع : يحتوي علي بعض الوثائق .
 
الكتاب يؤكد علي اذا كانت فلسفة الانوار في القرن التاسع عشر في اوربا قد جعلت العقلانية منهجا شبة مطلق في دراسة النص الديني في مقابل سطوة رجال الدين ، وظهرت المناهج المختلفة لدراسة النص الديني المسيحي دراسة نقدية تعتمد علي الانواع الادبية والظروف الاقتصادية والسياسية والثقافية التي ساهمت في انتاج النص وبقية الظواهر الانسانية ، وامتد تأثيرها حتي الان بعد ان توالت انتصارات العلم التجريبي ، فأننا في مصر والمنطقة العربية والعالم الثالث ، مازلنا نسيد النص الديني وما يدور حولة من تفسيرات غير مناسبة تنتمي الي العصور الوسطي وما قبلها الي حد التطرف ، فبينما تسود العقلانية البحتة في غالبية اوربا ، منتقصة من البعد الروحي والعلاقة مع المطلق ، ففي مصر والمنطقة العربية تسود النزعة الحرفية لفهم النصوص المقدسة ، والفهم السلفي بمعناة السلبي للنصوص الدينية ،ولا ننكر ان هناك محاولات كثيرة من مفكرين أجلاء منذ القرن التاسع عشر وحتي الان اجتهدت لتقيم علاقة متوازنة بين الجانب العقلاني وما هو ايمان في النصوص المقدسة فمن الشيخ محمد عبدة الي مصطفي عبد الرازق وطه حسين الي العديد من المفكرين المجتهدين في ايامنا .
 
كما يتعرض الكتاب الي نظرة مسيحية للقضية الفلسطينية ، ودير السلطان ، وتطبيق حقوق الانسان في الكنيسة المصرية ،ولاهوت التحرير .. اشكالية الهوية بين الالتزام الديني والالتزام الوطني ،ومحاولة نقد ذاتي كاثوليكي ،وكيفية التخلص من عقدة الاضطهاد ، والتقليد والتجديد في فكر وممارسة الكنيسة ، والتعددية وقبول الاخر شرط اساسي للخلاص ، وقضية التاؤيل عند ابن رشد ، بحسب كتابة فصل المقال ،وتجديد الحياة الروحية للرهبنة المصرية نموذج متي المسكين .
 
كتاب مهم لكاتب وفليسوف وراهب وكاهن يحمل بين ثناياة صلاة عقلية وروحانية معرفة .