منى أبوسنة
شاع لفظ «إسلاموفوبيا» منذ مطلع القرن الحادى والعشرين وارتبط بجريمة تفجير بُرجى التجارة العالمية بمدينة نيويورك فى 11-9-2001، اللذين يحتويان على ربع اقتصاد العالم وذلك باستخدام طائرة مدنية كقنبلة من قِبل خمسة عشر إرهابيا مصريا وعربيا، وراح ضحية هذه الجريمة ثلاثة آلاف مواطن من جنسيات مختلفة، وصاحب شيوع لفظ «إسلاموفوبيا» انتشار أقاويل وشائعات من كُتاب عرب وأوروبيين مثل الكاتب الفرنسى «تيرى ميسان» فى كتابه «الخدعة الرهيبة»، مفاد تلك الشائعات أن جريمة تدمير البرجين من تخطيط وتنفيذ اليهود وأمريكا.

إذا عدنا بالذاكرة إلى ما قبل جريمة تدمير البرجين سنكتشف أن ثمة لفظا آخر شاع ذيوعه بعد فترة وجيزة من انتشار لفظ «إسلاموفوبيا»، وأعنى به لفظ «الفزاعة»، وكان المقصود به الخوف غير المبرر من وصول جماعة الإخوان إلى الحكم فى مصر وذلك على إثر حصولهم على 88 مقعدا فى مجلس الشعب فى انتخابات 2010.

أما مصطلح «فوبيا» فهو من سك «سيجموند فرويد» مكتشف التحليل النفسى، ويعنى به شعورا بالخوف غير عقلانى لأنه لا سند له فى الواقع وإنما هو محض وهم يصوره العقل المريض لصاحبه الذى يعانى من خلل فى الإدراك الحسى والعقلى معا.

ويتضح من ذلك التماثل بين كل من مصطلح «فوبيا» ولفظ «الفزاعة». كما أن استخدام مصطلح «فوبيا» مع ربطه بالإسلام، ليصبح «إسلاموفوبيا» يشير إلى مرض عقلى يقوم على وهم، وهذا الوهم هو الخوف المرضى من شىء ما لا سند له فى الواقع وإنما هو نسج خيال مريض ويوجه هذا الخوف إلى المسلمين عامة وإلى الدين الإسلامى على الخصوص، أما لفظ «فزاعة» فهو المرادف الشعبى للفظ «إسلاموفوبيا».

والسؤال الآن: ما هى جذور نشأة لفظ «إسلاموفوبيا»؟
المسؤول عن ذلك هو جماعة من الباحثين والمتخصصين يطلق عليها لفظ «مخزن الفكر» والتى استعان بها ما يُعرف بالمعهد العالمى للفكر الإسلامى التابع للتنظيم العالمى للإخوان المسلمين بمدينة نيويورك بأمريكا، وكان ذلك فى مطلع التسعينيات من القرن العشرين وكان الهدف من سك هذا اللفظ ونشره من خلال الإعلام هو إثارة الخوف والرعب لدى كل من يجرؤ على توجيه أى نقد إلى المسلمين أو إلى الإسلام السياسى. أى أن الهدف كان تكميم الأفواه وكسر الأقلام لمنع حرية التعبير التى هى حق أصيل من حقوق الإنسان.

ولكن المصطلح لم ينتشر انتشارا واسعا إلا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، بعد تدمير برجى التجارة، استخدم الإسلام السياسى المصطلح لإثارة الخوف والرعب فى العالم الغربى لإجباره على عدم توجيه أى نقد أو تحميل أى مسؤولية لجماعات الإسلام السياسى، وفى مقدمتهم تنظيم الإخوان المسلمين.

وقد نجحت جماعة الإخوان فى ترويج هذا المعنى وإقناع العالم به من خلال استخدام خدعة حقوق الإنسان والقوانين الديمقراطية، وقد وصل الأمر بالإعلام الأمريكى إلى حد الدفع بمشاهير هوليوود، مثل الممثل «بن أفلك» إلى توجيه تهمه العنصرية إلى كل من يجرؤ على نقد الإسلام أو المسلمين أو تيار الإسلام السياسى. ومن يومها وهذا المصطلح يعانى من التباس فى المعنى، وساد هذا المعنى فى الإعلام الغربى الذى تولى شن حملات هجوم ضد كل من يوجه النقد لتيار الإسلام السياسى وذلك بتوجيه تهمة العنصرية لهؤلاء النقاد على الرغم من الفرق الواضح بين كل من مصطلحى «الفوبيا» و«العنصرية» والخلط بين الدين والعنصرية، فالدين، أى دين، يحتوى على عقيدة وشعائر وفقه، وبناء عليه فالدين لا يشكل عنصرا ولا يصح أن يُتهم أى ناقد لأى دين بالعنصرية، وبناء عليه أيضا فإن من يعمل عقله فى فهم أى دين لا يصح أن يُتهم بالفوبيا من هذا الدين، فنحن لم نسمع عن تهمة المسيحوفوبيا أو اليهوديفوبيا، وسبب ذلك واضح وهو أن أعمال العنف والإرهاب التى تشيع فى العالم اليوم لا يرتكبها إلا من يطلقون على أنفسهم جند الله فى الأرض ويسعون إلى إقامه شريعة الإسلام أو ما يسمونه «شرع الله فى أرض الله» من خلال قتل الأبرياء وترويع البشر. وهذه الجماعات الإرهابية تتبنى فهما حرفيا للقرآن والسنة، وهذا الفهم يحرم ويجرم ويكفر إعمال العقل، وهذا الفهم هو أساس الفكر الذى تأسست عليه المنظمات الإرهابية بداية من القاعدة حتى داعش.

وكل ذلك واقع وليس وهما كما يدعى مروجو لفظ «إسلاموفوبيا».

أما ما قد نسمع عنه أو نراه من ممارسات ضد المهاجرين المسلمين فى الغرب، فهذا السلوك يتسم بالكراهية وليس له علاقة بالفوبيا بل قد تكون له علاقة بالعنصرية الثقافية الكامنة فى مختلف ثقافات العالم والتى قد توجد بين أصحاب الثقافة الواحدة، وهذا فى حاجة إلى دراسة منفصلة.

وقد يتساءل البعض، سواء فى العالم الغربى أو فى العالم العربى والإسلامى: هل الشعور بالخوف مما ترتكبه المنظمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة وغيرهما، التى تتبنى الفكر الوهابى السلفى، يعد «إسلاموفوبيا»، أى نوع من أنواع الخوف المرضى من الدين الإسلامى والمسلمين؟ فى تقديرى أن هذا النوع من الخوف صحى وطبيعى ومنطقى لأنه يستند إلى واقع وأحداث نراها بأعيننا ونقرأ ونسمع عنها. فهى، إذن، ليست أوهاما أو أحلاما، إذن لا يمكن أن نطلق على هذا النوع من الخوف «إسلاموفوبيا» ولا على من يشعرون به بأنهم مرضى، بل الأجدر بنا أن ننضم إليهم فى هذا التساؤل ونواجه الواقع بأن ننغمس فى فهم ظاهرة الإرهاب الأصولى فى محاولة لاجتثاث جذور هذا الطاعون الذى انتشر كالوباء فى العالم.

وهذه الدعوة موجهة إلى المؤسسة الدينية الرسمية العالمية، أى الأزهر الشريف، وإلى كل من يتحمس لمواجهة فكر الإرهاب من خلال طرح رؤية جديدة وفهم جديد لتراث الفقه الإسلامى من أجل تصويبه وإزالة كل ما يتعلق فيه بالتحريض على عدم إعمال العقل الذى من شأنه أن يؤدى إلى ارتكاب أفعال إرهابية. ولطالما ردد الرئيس عبدالفتاح السيسى مقولته: «إن الإرهاب قضية فكرية بامتياز».
نقلا عن المصرى اليوم