حمدى عبد العزيز
عاطف الطيب واحد من أهم مخرجي السينما المصرية علي إطلاق تاريخها ..

ليس فقط لأنه كان مخرجاً بارعاً كما ظهر ذلك من باكورة إخراجه في عام 1982(الغيرة القاتلة) بالتزامن مع فيلمه الرائع (سواق الأتوبيس) الذي سجل صرخة احتجاج قوية لتلك التحولات الإجتماعية والقيمية التي ضربت المجتمع المصري في آواخر سبعينيات القرن الماضي وآوائل ثمانينياته ..

ليس لأنه فقط مخرج بارع يملك آدواته منذ اللحظة الأولي التي أطل فيها علي عالم السينما المصرية والعربية كمخرج سينمائي ، ولكن لأنه كان صاحب رؤية جمالية عميقة التأثير ، وفي نفس الوقت صاحب انحيازات فكرية وسياسية واجتماعية تقدمية لم يقدمها في كادارات سينمائية خطابية فجة ، وانما قدمها في صورة تيارات ساحرة من الحس الإنساني العميق الذي يحفر نفسه في وجدان مشاهده ..

من منا من لم يتأثر بمشاهدة رائعته الخالدة (البرئ) التي تناولت قضية إعتقال المئات من المثقفين والمناضلين في سجن الواحات ، من زاوية رؤية هي شخصية (سبع الليل) أحد جنود السجانين ، الذي يجهل ماتصنع يداه طوال الوقت ببراءة شديدة الصدق والواقعية إلي أن يكتشف أنه قاتل وسجان من ينيرون له طريقه وطريق أمثاله وأنهم زيفوا وعيه عندما أفهموه أن هؤلاء المعارضين المعتقلين هم (أعداء الوطن) ..

ثم رائعته (ليلة ساخنة) التي كسر فيها تلك النمطية الذهنية التي اختزلت فتاة الليل في السينما المصرية علي اعتبار أنها شخصية لاهية لعوب مستهترة ليقدم فيها فتاة ليل حقيقية كإنسان منسحق هزمته الطبقية الإجتماعية الطاحنة إنسان بدم ولحم ومشاعر إنسانية تتدرج مابين الأمومة والتعاطف الإنساني النبيل والشهامة والرجولة (بتعبير المصريين) بل والوجدان الطاهر ، ليصرخ فينا عاطف الطيب ثائراً .. إن السحق الإجتماعي هو القبح والإبتذال الحقيقي .. وكأنه يقول للكثيرين من علية القوم المهدرين لكرامة الإنسان أن هذه المرأة التي ربما تصفونها أنتم بالعاهرة هي في حقيقتها أشرف وأنبل منكم ، وأن هذا السائق المنسحق هو أرجل منكم ..

وكما أدان في ليلة ساخنة النظام الإجتماعي الذي يسحق الإنسان فإنه أدان النظام السياسي الفاسد في (ضد الحكومة) لدرجة أن دفاع المحامي الذي قام بدوره الرائع الراحل أحمد زكي تحول لأيقونة في معارضة الفساد والإستبداد الإجتماعي ..

من منا لم يفعم وجدانه بالشجن بعد مشاهدته فيلمه الرائع (الهروب) أو فيلمه الأخير (جبر الخواطر) ؟

كثير من المخرجين المتميزين كانت له بعض الأعمال دون المستوي ..
بل غالبيتهم الساحقة كانت كذلك ..

إلا عاطف الطيب ..
أفلامه كلها علامات مضيئة
وكلها كانت تعكس فهما راقيا لقضايا الإنسان وهمومه ومشاغله ونوازعه ودوافعه التي تحكم حياته وصراعاته اليومية ..

جميعها كانت محملة بقضايا الوطن الحقيقية ، وقضايا إنسانه المستغل (بفتح الغين) ، وتفضح الإستغلال والفساد ، والإستبداد ..

(الحب فوق هضبة الأهرام - التخشيبة - ملف في الآداب - كشف المستور - ناجي العلي ـ إنذار بالطاعة - الزمار) ، وغير ذلك من أفلام جميعها علامات بارزة في الفن السينمائي المصري

_______________
حمدى عبد العزيز
23 يونيو 2019