طفل صغير بصحبة أم عذراء ورجل مسن، لا يدرك ثلاثتهم ما تخفيه لهم الأيام على أرض مصر، بعد فروا من بطش الرومان وقائدهم، بعد رحلة شاقة للغاية، وإن حمل الضلع الثالث «يوسف النجار» على عاتقه مسؤولية تأمين خطوات الأم وابنها رغم كبر سنه.

على جحش صغير، ركبت العذراء وابنها ومن أمامهم يوسف، ذلك المخلص الأمين والذي تناولته الرسومات القبطية في صورة الراعي ومربي السيد المسيح الذي لا يعرفه الكثيرون، ولشدة إخلاصه أطلق بعض الوثنيين واليهود الشك في بتولية العذراء والإتيان بأكاذيب تفيد بكونه والد المسيح.

بالعودة إلى ما قبل الميلاد، كان مولد «يوسف النجار» في بيت لحم؛ حيث تعود جذوره إلى سلالة ملكية تعود به إلى الملك داوود، وعاش هذا الرجل وسط شريعة اليهود يعمل بالنجارة، متسما بالوداعة وهدوء الطباع.

وعلى جانب آخر، ولدت السيدة العذراء لأبوين تأخرا في الإنجاب لـ31 عاما، وحين رزقا بها أدخلاها «الهيكل» بعد فطامها، عاشا معها حتى توفيا وتركاها يتيمة الأبوين، إذ لم تتجاوز حينها الثامنة من عمرها، وعند سن الـ12 كان لابد لها من مغادرة الهيكل، وقررت أن تعيش عذراء بقية حياتها.

كان من الصعب أن تعيش مريم في هذا السن وحيدة دون رعاية، ففكر الكهنة في اختيار شخص بار تخطب له ويأخذها ليرعاها في بيته بدون زواج فعلي، ووقع الاختيار على يوسف لما يتميز به من وداعة الطباع وحسن الخلق.

تمت خطبة مريم البتول للعجوز يوسف، إلا أنه فوجئ بحملها رغم كونها عذراء لم يسبق لرجل أن مسها، واتهم الكثيرون مريم بالزنا تلك الجريمة الشنيعة التي يعاقب مرتكبيها بالرجم وفقا للشريعة اليهودية.

وقف يوسف حائرا، فهو يعلم جيدا مريم ومدى طهارتها وقربها من الله.. فكيف تم ذلك؟.. أراد الله أن يثلج صدره، فبشره برؤية تؤكد طهارة خطيبته، ومنذ تلك اللحظة تغيرت حياته وكافة خططه.
 
«كان خاضعا لهما».. (لو51:2)
اتسمت شخصية هذا القديس البار بالرضا، فقد كان راضيا ومتواضعا، رضي أن يكون خادمًا للأسرة المقدسة يتنقل معها من مكان لمكان رغم سنه وأمراضه ومشقة السفر وتهديدات الرومان، لم يسأل ولم يستفسر ولم يحتج على شيء، ولم يحاول قط أن يفرض رأيه في شيء.

ظل السيد المسيح يناديه طوال 16 سنة تقريبا (يا أبى)، وذكره الكتاب المقدس بآية «كان خاضعا لهما».. (لو51:2) أي لمريم ويوسف، وأشرف هذا القديس على تنشئة المسيح وتربيته وتعليمه، كما تعليمه حرفته «النجارة».

لم يشر الكتاب المقدس إلى «يوسف» سوى بالإشارة مرتين له في إنجيلي متى ولوقا، ورغم ذلك كان له دور عظيم في تحقيق 3 نبؤات أشير إليها، وهي: «ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل، ومبارك شعبي مصر، ومن مصر دعوت ابني».

القداسة والاحتفال
في عام 1889، حث البابا ليون الثالث عشر، المسيحيين على الصلاة ليوسف لمواجهة التحديات التي تواجه الكنيسة، وتحتفل الكنيسة الأرثوذكسية بعيد القديس يوسف النجار قبل بدأ صوم السيدة العذراء بأسبوع، وقد شيدت له كنيسة باسمه في مصر القديمة بالقاهرة.

كما تعيّد الكنيسة الكاثوليكية الرومانية - الكنيسة الغربية للقديس يوسف في 19 سبتمبر من كل سنة، بينما تحتفل الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الكاثوليكية الشرقية (كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك) والذي يسمى تذكار يوسف الصديق خطّيب مريم في الأحد الذي يلي عيد الميلاد.

وفي 26 أبيب، توفي القديس يوسف النجار بعد حياة مليئة بالقداسة والبر، وأثناء احتضاره حضر السيد المسيح وفاته ووضع يده على عينيه وبسط يديه وأسلم الروح ودفن في قبر أبيه يعقوب، وكانت جملة حياته عن عمر يناهز 111 عاما، وكانت وفاته بينما كان السيد المسيح في الـ16 من عمره.