وُلدت الفضائيات القبطية فى جو معقد جداً متأثرة بعوامل عدة أبرزها حالة السجال الدينى المصاحب لتدفق الإعلام التابع لتيار الإسلام السياسي، وقناعات ثابتة بعدم حيادية وتجاهل الأعلام العام لمناقشة قضايا الأقباط وفشله عمداً أو دون قصد في دعم مفهوم المواطنة وتعزيز التعايش السلمي، فجاءت ظروف نشأتها محملة بعوامل التشوه والجمود، وكنتيجة طبيعية لمن أصابه تشويه هو إستمراره معه، باتت عوامل نشأتها إحدى أسباب تقوقعها وتراجعها، فكان التحدي الأكبر لتلك الفضائيات الصراع ما بين التحرر الكامل من طبيعة النشأة أو الإرتباط بتشوهاتها والعمل وفق معطياتها.

 
وكانت قناة CTV من أكثر الفضائيات القبطية التي عملت على التحرر من دائرة السجالات الطائفية وتبنت خطاب معتدل يتوافق مع توجهات الكنيسة القبطية حول مختلف القضايا، فاستحوزت القناة على إهتمام الجمهور القبطى بمختلف فئاته نظراً لما تعرضه من مضامين دينية، إستطاعت أن توجد كنيسة من خلالها داخل كل بيت فضلاً عن تنوع برامجها التى تستهدف جميع الأعمار، مما جعلها فى مقدمة القنوات التى يتعرض لها الأقباط فى الداخل والخارج، وهذا ما أكدته الباحثة “كرستين بدوى أمين” فى دراسة ماجستير بجامعة المنصورة عام 2013، حيث أشارت نتائجها إلى أن قناة CTV جاءت فى مقدمة القنوات المسيحية التى يشاهدها الشباب المسيحى المصرى بنسبة 96% من الجمهور عينة الدراسة، متفوقة على غيرها من القنوات القبطية.
 
ورغم قيام ونشأة قناة CTV على فكرة الخدمة الروحية والإجتماعية للأقباط من الأساس ، إلا أن تصاعد حدة العنف الطائفى ضد الأقباط فى السنوات الأخيرة من حكم مبارك، دفعت القناة إلى إدخال بعض التعديلات على سياساتها، فخصصت مساحة لمناقشة هذه الأحداث عبر لقاءات وحوارات تذاع على الهواء مباشراً، من خلال إستضافة بعض الحقوقيين والمتخصصين فى الملف القبطى وبعض المثقفين الأقباط والمسلمين، إلى أن جاءت أحداث نهاية عام 2010 التى بدأت بأحداث كنيسة العمرانية وما تبعها من صدام بين نظام حكم مبارك والكنيسة، أعقبها كارثة حادث كنيسة القديسين فى الدقائق الأولى لعام 2011، لتتحول شاشات جميع الفضائيات المصرية سواء الدينية أو غير الدينية إلى ساحة للجدال السياسى والإجتماعى لمناقشة الحادث، الذى لم يمر عليه سوى أقل من 25 يوماً لتدخل مصر فى منعطف سياسى أخطر وأكبر تأثيراً آثر إندلاع ثورة 25 يناير عام 2011، فإزدادت معها مساحة المضامين السياسية على شاشة قناةCTV ، وقد كان البرنامج الحوارى “فى النور” الذى يبث على الهواء مباشرا،ً من أبرز البرامج التى تعرضت للشأن السياسى المصرى والدولى على شاشة القناة خلال السنوات التى أعقبت ثورة يناير وحتى الأن.
 
ونظراً لهذه المساحة التحريرية المتعلقة بالشأن السياسي الداخلى المصرى على قناة CTV وإهتمامها بملف المواطنة بصفة خاصة من خلال معالجات مستفيضة ومتزنة، حدث نوع من التغير النوعي في أنماط تعرض الجمهور القبطي في الداخل والخارج للقناة، من مجرد التعرض بدوافع طقوسية للمضامين الدينية والروحية إلى التعرض النفعي النشط لمتابعة الشأن العام والسياسي سواء الداخلي أو الإقليمي والدولي، حتى باتت القناة ضمن أكثر القنوات المصرية مشاهدة نظراً لكثافة التعرض لها من فئة ثابتة وكبيرة من المصريين وهم الأقباط.
 
وحسب ما توصلت إليه نتائج دراسة ماجستير ميدانية بكلية الإعلام جامعة القاهرة قام كاتب السطور بإعدادها في 2018، حول تأثير الإعلام القبطي على المشاركة السياسية لأقباط المهجر، جاءت قناة CTV فى الترتيب الأول ضمن القنوات الفضائية القبطية التى يعتمد عليها أقباط المهجر، للتعرف على الأخبار المتعلقة بالشأن الداخلى المصرى بنسبة 73.8% من إجمالى المبحوثين، متقدمة بفارق كبير عن قنوات قبطية أخرى تابعة للكنيسة القبطية، بل ومتقدمة على فضائيات ذات طبيعة سياسية تبث من الخارج لم تستحوز على إهتمام جمهور الأقباط بالمهجر وجاءت نسب تعرضهم لها هزيلة وفي ترتيب متأخر، وقد كشفت نتائج الدراسة عن الدور الإيجابي لهذا المحتوى السياسي والإخباري في دفع المشاهدين للمشاركة في العملية السياسية المصرية.
 
وبعد نجاح القناة في تحقيق معدلات مشاهدة عالية وسط المجتمع القبطي، بات التحدي الأكبر لإدارتها هو إحداث تحول نوعي أخر في طبيعة القناة لتنافس في حقل القنوات العامة الموجهة لجموع الشعب، والتحرر من إنحصارها وتقوقعها داخل دائرة الأقلية منطلقة عبر المجال العام لإستقطاب شرائح أخرى من المشاهدين، من خلال إحداث قدر من التوازن بين المحتوى الديني والسياسي والإخباري، وهو ما سعت القناة لتحقيقه في الفترة الأخيرة عبر آليات هامة وضرورية أبرزها الإستعانة بكوادر شابة متخصصة في الشأن الإعلامي والسياسي، وتبني نمط حديث للإدارة يقوم على الفصل بين الإدارة والملكية، فضلاً عن تحييد دور المؤسسة الدينية وقياداتها عند وضع السياسة التحريرية للقناة.
 
والمتابع الجيد لقناة CTV خلال الشهور القليلة الماضية لمس تغير ملحوظ في سياسية القناة التحريرية، بدأت بتغير جذري في المحتوى الكنسي من خلال تغطيات حية لفعاليات دينية في الداخل والخارج، كان أبرزها نقل أحداث أسبوع الألام من مدينة القدس على الهواء مباشراً للمرة الأولى في تاريخ القناة، فضلاً عن إستحداث برامج جديدة تعتمد على تغطية أخبار الكنيسة القبطية وكنوزها الأثرية والتراثية حول العالم، وعلى الجانب الأخر إهتمت القناة مؤخراً بملف المواطنة من خلال معالجات متميزة ومتزنة للأحداث الطائفية، فعملت على تسديد إحتياجات فئات كثيرة من المشاهدين بعيداً عن التناول الطائفي لهذه الأحداث عبر فضائيات أخرى، ومع زيادة المساحة التحريرية المخصصة للشأن العام تقوم القناة بإجراء إستعدادات خاصة لإطلاق برامج حوارية سياسية، نأمل أن تقدم بشكل مهني يقود لإحداث تحول نوعي للقناة بشكل خاص وللفضائيات القبطية والدينية بشكل عام.
نقلا عن القاهرة 24