د. مينا ملاك عازر
توقفنا المقال السابق، عند تعديل دستوري أجراه مجلس النواب السوري، أتاح للشبل أي للأسد الصغير تولي مكان أبيه، وذلك بعد وفاة الأب بساعات قلائل، وبالفعل أصبح بشار الأسد الأول وبعدها عرفنا أنه آخر حاكم عربي يصل للحكم بالتوريث حتى كتابة تلك السطور بالطبع، وبالطبع أيضاً هو لم يكن أول حاكم في العالم يرث عن والده الحكم، فقد سبقه في ذلك رئيس جمهورية كوريا الشمالية، بالطبع الملوك والسلاطين وما شابه مستثنين من هذا الذي أقوله، فمن الطبيعي أنهم يورثون ويرثون، ولكن العجيب الذي أسماه عمنا جلال عامر على ما أذكر الجملوكية.

وبدأ عصر التوريث الجمهوري في سوريا، وحاول أن يحذو حذوه البعض في عالمنا العربي، كما روجت الشائعات بهذا الصدد، وإن لم يثبت هذا على الإطلاق بقول قاطع واحد باتر، على كل حال سارت الأمور في ركاب الأسد الصغير إلى أن اندلعت ثورات الربيع العربي كما سموها وقتها، ونالت سوريا ما نالته من حظها من الثوار الذين انقلبوا لمحاربين ومسلحين، واستحال الوضع للأسد الصغير لحرب أهلية سانده فيها بالطبع سلاح الطيران الشيعي العلوي، ولكن انقسم عنه الجيش السوري بأسباب متعددة ومتنوعة ومختلفة.

ومرة أخرى دب السرطان في جسد الجملوكية، وانقسمت وتفتت وصار على الشبل الذي أصبح أسداً أن يلجأ للخارج ليعالج السرطان المتأسلم الجماعات الإرهابية والدولة المدعاة إسلامية التي قامت على أرضه، وحارب الأسد وانتصر على دولتهم لكن بقت الكثير من بقاع سوريا تحت الاحتلال الإرهابي أو التركي أو الإيراني أو الروسي، وحتى داخل رجال الأسد متفتتين منهم من ينتمي لإيران ومنهم من يميل لروسيا، وأصبحت سوريا جسد مريض يعاني من الأمراض، وأبرزهم مرض السرطان القاسي اللعين.

أكتب هذه السطور، وبرغم انتصارات الأسد المتلاحقة والمؤيدة من إيران وروسيا، وقرب مد وبسط يديه على كامل سوريا، اللهم إلا الأجزاء الكردية التي يتم التوافق حولها بالعند مع تركيا، وربما الأجزاء التي تمد وتفرض تركيا سيطرتها عليها، إلا أنني أشعر أن ما يبنى على باطل فهو باطل، وأن التوريث ما لم يكن شرعياً وبرضا حقيقي من الجماهير يذهب ادراج الرياح، وأن القوة والبطش والديكتاتورية لا تنفع شيء مع إرادة الشعوب، وأكثر المصابين هم الأوطان بسرطان الديكتاتورية والاستبداد.

أكتب سطوري هذه بمناسبة مرور تسعة عشر عام على رحيل الأسد الأب في العاشر من يونيو من عام 2000، ذلك الرحيل الذي أعقبه توريث أغرى بعض القادة العرب، وحفز الكثير من الشعوب الذين قلقوا من نفس المصير، وربما الجيوش فتحركت المنطقة نحو مصير مؤلم تعاني منه للآن، رحم الله الأسد الذي لو كان أسد أثناء وزارة الدفاع لما احتلتٍ الجولان، ومرة أخرى لو كان أسد في حرب أكتوبر ما ضاعت منهم مرة أخرى، بعد أن كانت بين أيديهم، ولو كان أسد ما ضاعت سوريا الآن بسبب توريثه لأبنائه.

المختص المفيد تقدرون، وتضحك الأقدار.