اللواء الدكتور مدحت الحريشي
عشق المصريين علي مر العصور الكلب كحيوان أليف مرافق وخادم مخلص وحارس أمين ومقاتل جسور، فمنذ فجر التاريخ عرف المصريين تربية الكلاب. وسوف نحاول من خلال هذه السطور أن نلقي الضوء علي حكام مصر الذين عشقوا الكلاب منذ عصر الأسرة الأولي حوالي 3000 سنة قبل الميلاد، وحتي العصر الحديث وهذا العرض ليس حصرًا لحكام مصر الذين عشقوا الكلاب بقدر ما هو إلقاء الضوء علي ما أتيح من معلومات في الشان، وسوف نستعرض ما تيسر من معلومات وفق التسلسل التاريخي للحكام علي النحو التالي:

الملكة حر نيت
الملكة "حر نيت" هي ملكة مصرية قديمة زوجة الملك "جر" من الأسرة الأولي عاشت في مصر منذ 3000 سنة قبل الميلاد وهي الحبيب الأول للكلاب سجلت الحب بين الإنسان والكلب من خلال تكريم كلبها المتوفي حيث وضعت شاهد حجري علي القبر الذي صنع خصيصًا له وكتب علية "شاهد لكلب محبوب" ومن حسن الحظ أن هذا الحجر لا يزال وحفوظًا بالمتحف المصري بالتحرير بالطابق العلوي بقاعة الدولة القديمة.


انتف الثاني
ينتسب الملك " أنتف الثاني" للأسرة الحادية عشر 2100 قبل الميلاد وهو من أقوي حكام الدولة الوسطي، شيد لنفسه قبر في منطقة "ذراع أبو النجا" ووضع علي القبر لوحة تمثل الملك واقفاً مع أربعه من كلابه الخمسة – حيث يوجد أصلا أمام الملك ثلاثة كلاب وبين قدميه الكلب الرابع والخامس خلفه إلا أنة لم يتبقى منه سوي آثار النقش منه علي الحجر - وهي "الغزال" و"الكلب السلوقي" و"الأسود" و"موقد النار"، ولا يزال "بحوكاي" أو "الغزال" موجودا علي اللوحة وربما كان الكلب الوحيد الذي سجلت له شهره امتدت إلي أكثر من أربعه آلاف سنه، وهواه الكلاب تجذبهم هذه اللوحة الموجودة حالياً بقاعة الحيوانات المحنطة بالطابق العلوي بالمتحف المصري بالتحرير.


الملك توت عنخ امون
حكم مصر من 1334 إلى 1325 ق.م ينتسب للأسرة الثامنة عشر، هذا الملك فميا يبدو كان مولعا بالكلاب والصيد والقنص ويظهر هذا بوضوح في الأثاث الجنائزي الذي وجد في مقبرته فأول ما تقع عليه أنظارنا في مدخل قاعتة بالطابق الثاني بالمتحف المصري بالتحرير تمثال مهيب من الخشب الأسود لكلب رابض علي صندوق مجوهرات وحلي الملك يمثل الإله "أنوبيس" يتوعد كل من تسول له نفسه الاقتراب من المقبرة الملكية التي يحرسها ونظراته الحادة وجسمه الممشوق وخصره الضامر وقوته العضلية الواضحة تلقي في نفوسنا مزيجا من الخوف والإعجاب بجمال صنعه التمثال وصدق حب الملك الشاب " توت عنخ آمون " للكلاب وثقته فيها وهذا الملك المولع بالصيد ترك خلفه علبه أقواس جميلة الصنع محلاه بقطعه فنية آيه في الجمال زانت جمالها الفائق صنعها من صفيحه من الذهب صور عليها الملك علي عربته في أحد رحلات الصيد يرشق الإوز بوابل من سهامه وكلبه يحاول الإمساك بها ويتوسط القاعة صندوق خشبي مغطي بجلد الغزال صور عليه الملك في رحلتين من رحلات صيده علي غطائي الصندوق الأول يمثل الملك وهو يصطاد الأسود في شجاعة وجرأة وكلابة تهاجم الأسود بجسارة وقوة علي الغطاء الثاني الملك وهو يصطاد الغزال بسهامه التي لا تخطيء أبدا وكلابه تمسك بها، وهذه المناظر التي صورت علي علبه أقواس الملك وغطائي الصندوق تصور رحلات الصيد التي كان يقوم بها الملك لصيد الأسود والغزال والطيور في كل تلك الرحلات كانت كلابه ترافقه لمعاونه الملك في الصيد والسيطرة علي الفريسة .


أما الجانبين السفليين للصندوق فعليهما صور المعارك الحربية التي خاضها الملك ضد شعوب آسيا وأفريقيا وعلي أحد الجوانب نري كلابه تقاتل في شراسة بالغة شعوب آسيا لدرجة أنها تعقر ضحاياها من رؤوسهم أو رقابهم لتفتك بهم وتقضي عليهم تمامًا وعلي الجانب الآخر صورت الكلاب تفعل الشيء نفسه مع شعوب أفريقيا, وهذا الصندوق يعد واحدة من آيات الفن في التاريخ المصري القديم وكأن هذه المناظر التي صورت علي هذا الصندوق رسالة تركها لنا هذا الملك الشاب ليدلل لنا علي صدق حبه وولعه بالكلاب وعن معرفة عصره بفنون تدريب واستخدام الكلاب


ولم تقتصر صور الكلاب علي جعبة الأقواس والصندوق فقط بل أننا نجد صور الكلاب محفورة علي نصال الخناجر وكذلك أخذت مقابض المعدات الحربية شكل رؤوس الكلاب .

الملك سيتي الأول
هو أحد ملوك الأسرة التاسعة عشر، ابن رمسيس الأول ووالد رمسيس الثاني حكم في الفترة من 1294 ق.م.حتى عام 1279قبل الميلاد، يظهر عشقه للكلاب من قطعة من الاوستراكا صور عليها وهو يصطاد أسد بمعاونة أحد كلابه.


الملك فؤاد الأول
ولد الملك فؤاد الأول في 26 مارس 1868 وتوفي في 28ابريل 1936حكم مصر من عام 1917 حتي 1936، لم يرد إلينا ما يدلل عن عشقه للكلاب ولكن حبة للكلاب ظهر من خلال نقل ما شاهدة في المملكة المتحدة من استخدام للكلاب في الشرطة الي الشرطة المصرية في سنة 1931م عندما زار مدرسة البوليس والإدارة وأشار إلى حضرة اللواء/عزيز علي المصري باشا مدير المدرسة في ذلك الوقت بأن يدخل نظام تدريب الكلاب البوليسية بالمدرسة؛ وقد عهد سعادته إلى اليوزباشي/السعيد عزيز الألفي بعمل التجارب للبدء في هذا المشروع فبدأ بالإطلاع على الكتب والمجلات الخاصة بتربية وتمريض وتدريب الكلاب، ومنذ ذلك التاريخ عرفت الشرطة المصرية استخدام الكلاب في شتي مناحي العمل الشرطي.

الملك فاروق
ولد الملك فاروق في 11فبراير 1922 وتوفي في 18 مارس 1965 حكم مصر من عام 1936 حتي عام 1952.

كان الملك فاروق مولع بالكلاب والصيد وقد خلف وراءة العديد من الصور الفوتوغرافية التي يظهر فيها مع كلابه كما كان يملك مجموعة كبيرة من تماثيل الكلاب مختلفة الأشكال والأحجام المصنوعة من المعدن المختلفة والأحجار والخشب وما تبقي من هذه المجموعة تم تسليمة للإدارة العامة لتدريب كلاب الأمن والحراسة بأكاديمية الشرطة حيث لازالت هذه القطع الفنية محفوظة بها حتي الآن في متحف صغير خصص لها.


وقد ظهر إهتمام الملك فاروق بالكلاب من خلال رعايته الشخصية لسلاح الكلاب الذي عاصر إنشاءة ففي سنة 1937م أمر الملك فاروق بإهداء المدرسة أحد عشر كلبًا من نوع "كلب الرعي الألماني" المولودة بالسراي الملكية وقد كان لهذا العطف أثر عميق للاستمرار بجد ونشاط لنجاح مشروع إستخدام الكلاب في الشرطة المصرية، كما ظهر حرصه علي تفقد سلاح الكلاب بل ومداعبتها أثناء زيارته لسلاح الكلاب.


الرئيس محمد نجيب
ولد محمد نجيب في 19 فبراير 1901 وتوفي 28 أغسطس 1984، هو أول رئيس لجمهورية مصر بعد إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية في 18 يونيو 1953، كما يعد قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر، وفي 14 نوفمبر1954 أجبره مجلس قيادة الثورة على الاستقالة، ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الإعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984.


كان محمد نجيب مولعًا بالكلاب حتي أنه حرص أثناء أحد زياراته لكلية الشرطة علي مداعبة الكلاب، ويظهر هذا أيضًا مما كتبه في مذكراته التي عرفت باسم "كنت رئيسا لمصر" : «خلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة. بالإضافة إلي تربية الكلاب والقطط»، وقد إعتاد علي ذلك طوال الثلاثين عامًا التي قضاها في الإقامة الجبرية فقد كانت الكلاب تهوّن عليه الكثير، بل جعلت بداخله يقينا أن الحيوانات أكثر وفاءً من البشر، حتى أنه التقط صورة لكلبة تُرضع قطة فقدت أمها على سريره ووصف نجيب حينها الحيوانات بأنها رقيقة لا تؤذي أحدًا– في إسقاط على ما فعله به الضباط الأحرار- بل أنه حين توفي كلبه دفنه في حديقة الفيلا، وكتب لافتة عليها «هنا يرقد أعز أصدقائي»، ما يعكس تأثير الظلم الذي تعرض له على حبه للحيوانات، فهو الذي قال «لقد كان هؤلاء الأصدقاء الأوفياء سلوى وحدتي في سنوات الوحدة تلك السنوات المرة التي وصلت فيها درجة الافتراء إلى حد إشاعة خبر وفاتي وقد سمعت هذا الخبر بأذني من إذاعات العالم».


الرئيس جمال عبد الناصر
ولد الرئيس جمال عبد الناصر في15 يناير 1918 وتوفي في 28 سبتمبر 1970 هو ثاني رؤساء مصر تولى السلطة من سنة 1956 حتي وفاته. وهو أحد قادة ثورة 23 يوليو 1952التي أطاحت بالملك فاروق آخر حاكم من أسرة محمد علي .

لم يُعرف عن الرئيس جمال عبد الناصر حبة للكلاب أو تربيته لها، وإن كان له قصة طريفة مع الكلاب أوردها أستاذنا اللواء دكتور / عبد الكريم درويش في كتابة "حصاد العمر" حيث قامت الكلاب بحراسة منزل الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1954م, وهنا اقترح الصاغ/ صلاح دسوقي على الرئيس جمال عبد الناصر تعزيز الحراسة على سكنه بمنشية البكري بأحد الكلاب البوليسية المدربة, وطلب من الرئيس أن يتولى إطعام الكلب بذاته حتى يعتاد عليه, وكان رد عبد الناصر "هو أنا قادر أأكل عيالي لما حاأكل الكلب بذاتي..." وتولى قسم كلاب الأمن والحراسة بكلية البوليس هذه المهمة.

الرئيس محمد أنورالسادات
ولد محمد أنور محمد السادات في 25 ديسمبر 1918 وتوفي في 6 أكتوبر 1981 حكم مصر من 28 سبتمبر 1970 حتي 6اكتوبر 1981، ارتبط الرئيس الراحل محمد أنور السادات وتعلق شغفه بالعديد من الأشياء، بعضها كان معلنا للشعب وبعضها كان يعتبرها أسرار، ومن ضمن هذه الأشياء عشقه لتربية الكلاب.

أخفى السادات حقيقة حبه وشغفه بتربية الكلاب عن الجميع، حيث أوصى مصوره ألا تظهر صوره الخاصة مع كلابه في مصر؛ لأن الشعب المصري يعتبرالكلاب في البيت "نجاسة" وتنقض وضوء المسلم، وأمره أن ينشرها على أغلفة المجلات الأمريكية والأوروبية التي تفضل أن يكون للرئيس كلب تتابع أخباره عن كثب.


نشر الكاتب الصحفي جمال الدين حسين نهاية فترة السبعينيات، صورة نادرة للرئيس الراحل تم التقاطها عام 1974 وذلك بعد تحقيق النصر في أكتوبر 1973 يظهر فيه جالسا في حديقة الاستراحة الخاصة به بالمعمورة بالإسكندرية، وبجانبه يجلس كلب من فصيلة "كلاب الرعي الألمانية"، حيث يظهر فيها الرئيس واضعا يده على الكلب وممسكا بالبايب في اليد الأخرى.
نقلا عن الأهرام