فى مثل هذا اليوم 15 يونيو1805م..

سامح جميل 

القواسم قبيلة عربية كونت إمارة كبيرة في رأس الخيمة والشارقة وبندر لنجة، بدأت زعامتهم في النصف الثاني من القرن الثاني عشر للهجرة على أثر انحلال دولة اليعاربة.
 
وكانت بداية دولتهم في ما يسمى اليوم برأس الخيمة والشارقة، ثم انتشرت لتشمل أجزاء من شرق الخليج العربي بساحليه الشمالي والجنوبي، إضافة للجزر.
 
وتمكن القواسم في القرن السابع عشر الميلادي من جمع أضخم قوة بحرية في المنطقة ثم اصطدموا مع بريطانيا الأمر الذي دفع الأنجليز لأرسال حملة بحرية للمهاجمة القواسم، ولقد لعب القواسم دوراً رائداً في تاريخ الخليج العربي. كان أحد أجدادهم، "قاسم الكبير الحسيني السامرائي" ، قد جاء ليقيم في جلفار منذ القرن السابع عشر.
 
وبفضله أصبحت هذه المدينة المركز الرئيسي للقواسم وعرفت منذ ذلك الحين باسمها رأس الخيمة.
 
تظافرت عدة عوامل ساعدت على نجاح الأعمال العسكرية البحرية التي قام بها القواسم ضد سفن شركة الهند الشرقية البريطانية في الخليج وتمثلت تلك العوامل في اضطراب الأوضاع في الامبرطورية الفارسية من ناحية وعدم رغبة رئاسة الشركة البريطانية في مومباي في استنزاف قواها في نشاطات تتصل باستتباب الامن في الخليج من ناحية ثانية وترتب على ذلك استفحال قوة القواسم بنشاط كبير في الهجوم على كثير من السفن التجارية البريطانية.
 
تسجل الوثائق البريطانية عددا من الأعمال العسكرية قام بها القواسم ضد السفن الشركة البريطانية ففي 18 مايو عام 1798م هاجم القواسم سفينة بريطانية تسمى فايبر كانت ترسو في ميناء بو شهر ثم هاجموا سفينة أخرى تسمى باسين سنو كانت في طريقها إلى البصرة قادمة من مومباي بالقرب من ساحل الرمس القريب من مدينة راس الخيمة معقل القواسم بيد ان رئاسة الشركة في مومباي كانت تفضل التزام السلام دائما في علاقاتها مع عرب الخليج حتى انها كانت تصدر اوامرها وتعليماتها للبحارة البريطانين بعدم البدء بإطلاق النيران عليهم ولكن مع تزايد الهجمات على السفن الشركة تبنت الرئاسة في مومباي سياسة جديدة للعمل على تامين التجارة البريطانية ومن ثم كانت الحملة البريطانية الأولى على القواسم في عام 1805 م.
 
في بداية هذا العام تمكن القواسم من الاستيلاء على السفينتين البريطانيتين شانون و تريمر التابعتين للمقيم البريطاني في البصرة مانستي وأعيد تسليح السفينتين وضمهما إلى اسطول القواسم وبعد فترة وجيزة تمكن القواسم أيضا من الهجوم على طراد الشركة البريطانية مورنينجتون الذي كان يجوب مياه الخليج لتامين التجارة ضد الفرنسين، إلا أن بحارة الطراد البريطاني أطلقوا النار على القواسم الذين لاذوا بالفرار.
 
في أبريل عام 1805 م هاجم القواسم سفينة الشركة البريطانية كوين بالقرب من مسقط لكن السفينة تمكنت من رد الهجوم.
 
التحالف مع مسقط:
بتكرار هجوم القواسم على سفن الشركة البريطانية، اقترح حاكم مومباي دنكان على الوكيل البريطاني في مسقط الكابتن سيتون (بالإنجليزية: Seton) تقديم المساعدة الحربية إلى حكومة مسقط في حربها ضد القواسم خاصة بعد تمكن القواسم الاستيلاء على ميناء بندر عباس في اعقاب اغتيال حاكم مسقط سلطان بن أحمد في عام 1804م مما أدى بالتالي إلى سيطرتهم على جانبي مدخل الخلیج العربي.
 
اعتبرته الشركة البريطانية تهديدا للملاحة في المنطقة، وقام البريطانيون بالتالي بالتنسيق مع حاكم مسقط الجديد بدر بن سيف الذي أبدى موافقته على منح البريطانيين ميناء بندر عباس أو جزء منه تقديرا لمساعدتهم.
 
بناء على هذه الموافقة صدرت الاوامر إلى الكابيتن سيتون الوكيل البريطاني في مسقط في 3 مارس عام 1805م بمساندة حكومة مسقط في القضاء على القواسم.
 
أوامر مقيدة:
لكن تلك الاوامر قيدت كابتن سيتون بعدة قيود فكان عليه ان يكف عن نشاطه إذا تدخل حلفاء القواسم من الوهابين، وأن يحاول الوصول إلى السلام عن الطريق المفاوضات، وأن يتفادى أية مشاكل أو صعوبات مع حكومتين الفارسية والعمانية. كذلك كان عليه ان يعمل بالتنسيق مع مانستي المقيم البريطاني في البصرة والمستر بروس المقيم البريطاني في بو شهر
 
بدء الحملة الأولى:
سفينة بريطانية عند شاطئ بندر عباس
تحركت القوات البحرية العمانية يساندها الاسطول البحري البريطاني في 15 يونيو عام 1805م في اتجاه ميناء بندر عباس لاستعادته من قبضة القواسم وحلفائهم من بني معين سكان جزيرة هرمز وتم لهم بعد قتال استمر يوما واحدا وفي 3 يوليو عام 1805م تلقت القوات المتحالفة معلومات تفيد أن القواسم بداوا يحركون اسطولا بحريا مكونا من ثلاثين سفينة صغيرة من جزيرة قشم.
 
في الحال ابحرت القوات البحرية العمانية يساندها طراد الشركة البريطانية مورنينجتون وأحكموا الحصار على أسطول القواسم الذي كان لايزال بالقرب من سواحل جزيرة قشم رغم محاولات القواسم لفك ذلك الحصار البريطاني العماني عن الجزيرة.
 
الهدنة:
وأرسل القواسم إلى سيد بدر بن سيف يعرضون وإبرام هدنة بين الطرفين المتحاربين ورحب بدر بن سيف بهذا العرض لرغبته الشديدة في عودته إلى مسقط التي كانت تشهد اضطرابات داخلية، واتفق الطرفان على أن يعيد القواسم السفينة تريمر التابعة للشركة البريطانية خلال خمسة وعشرين يوما وعلى إبرام هدنة بينهما لمدة سبعين يوما.
 
اتفاق:
وقع الطرفان على اتفاقيتهما في 6 فبراير عام 1805 م وتنص بنودها كما ذكر أتشيسون على إقامة سلام بين الشركة البريطانية وسلطان بن صقر القاسمي زعيم القواسم وأتباعه. احترام كلا الطرفين لعَلم وممتلكات وتوابع الطرف الآخر، على أن يدفع القواسم غرامة مالية كبيرة إذا ما خرقوا الاتفاق.
كذلك نصت الاتفاقية على أن يتغاضى الكابتن سيتون عن المطالبة بحمولة السفينتين تريمر وشانون وان يقدم القواسم المساعدة والحماية للسفن البريطانية التي تجنح إلى شواطئهم ويقوموا بتزويدها بالوقود أو الماء.
أخيرا وبعد أن تم التصديق على الاتفاقية واقرارها يُسمح للقواسم بزيارة الموانى البريطانية من سورات حتى البنغال وقد وقع الاتفاقية عن البريطانيين الكابتن سيتون الوكيل البريطاني في مسقط وعن القواسم عبد الله بن كروش ثم اعتمدها سلطان بن صقر القاسمي زعيم القواسم ثم الحاكم العام البريطاني في الهند في 29 إبريل 1806م.
 
الاتفاقية:
نصوص اتفاقية السلام (قلنامة) نصت على مايلي
قلنامة أو توقيع اتفاقية معاهدة بين الشيخ عبد الله بن كروش نيابة عن الشيخ سلطان بن صقر بن راشد القاسمي والكابتن ديفيد ستون نيابة عن شركة الهند الشرقية في بندرعباس في 6 فبراير 1806م:
 
مادة (1) سيكون سلام بين شركة الهند الشرقية البريطانية الموقرة وسلطان بن صقر القاسمي وجميع توابعه ورعاياه على سواحل شبه جزيرة العرب وفارس وهم سيحترمون علم شركة الهند الشرقية وممتلكاتها أينما وكيفما يكونون وبالمثل يكون سلوك شركة الهند الشرقية نحو القواسم.
 
مادة (2) إذا خالف القواسم حكم المادة المذكورة انفا فانه تحق عليهم غرامة مقدارها 30,000 دولار وبهذا الشرط فإن الكابتن ديفيد ستون يوافق ان يستلم من الأمير سلطان بن صقر السفينة تريمر الراسية الآن في مسقط وأن يتنازل عن المطالب بحمولة مدافع هذه السفينة وكذلك عن شانون.
 
مادة (3) إذا وجدت ممتلكات بريطانية في أسطول الصيد فيجب أن ترد.
 
مادة (4) أي سفينة بريطانية ترسو على شواطئ القواسم للتزود بالطعام والماء أو تضطر إلى اللجوء للشاطئ بسبب حالة الجو أو أي سبب آخر يجب أن يساعدها القواسم ويؤمنوا لها الحماية، وأن يحافظوا على ممتلكاتها وأن يسمحوا لها باللجوء أو الرحيل حسبما يراه أصحابها مناسبا بدون مقابل أو طلب.
مادة (5) إذا أجبر الأمير سعود القواسم على الخروج عن اتفاقية السلام هذه، فيجب عليهم وفي جميع الحالات إرسال إنذار قبل ثلاثة أشهر.
 
مادة (6) حين تتم المصادقة على هذه المعاهدة فيمكن للقواسم ان يترددوا على الموانئ البريطانية من سورات إلى البنغال كما كان الحال سابقا.

توقيع
عبد الله بن كروش
توقيع
ديفيد ستون
وقد صدق عليها الشيخ سلطان بن صقر كما صدق حاكم الهند العام على المعاهدة في 29 أبريل 1806م..!!