فاطمة ناعوت
انتقد كثيرون غياب الفنان «سمير غانم» والفنانة «دلال عبدالعزيز» عن حفل عيد ميلاد «جورج سيدهم» الأسبوع الماضى. وهنا أقول شهادةَ حقٍّ بأننى التقيتُ بالفنانة الجميلة «دلال عبدالعزيز» الشهر الماضى فى دار الأوبرا، وأخبرتُها باعتزام بعض الأصدقاء الاحتفال بعيد ميلاد جورج، فطلبت منى أن أخبرها بموعد الحفل، حين يتأكد، حتى تحضر. ولكننى لم أتمكن من الوفاء بالوعد، لأننى دُعيت للحفل فى اليوم نفسه. وقد أخبرتُ د. ليندا، زوجة جورج، بتلك الواقعة أمام الجميع فى حفل عيد الميلاد، فقالت إن الفنانة الجميلة «نادية لطفى» أرسلت تورتة من أجل جورج، وشاركتها الفنانة دلال عبدالعزيز.

وهنا لابد أن أقول إن جميع مَن بالوسط الفنى يعلمون أن الفنانة «دلال عبدالعزيز» (صاحبة واجب) وإنسانة حقيقية. لا تتأخر عن السؤال وزيارة مَن نسيتهم الأضواءُ وعدسات الكاميرات. فهى تعودُ المرضى من الفنانين، وتتواصل مع أصحاب الأزمات منهم لكى تُساهم فى حلِّ مشاكلهم ما وسعها ذلك. ومثلها تفعلُ العظيمة «نادية لطفى»، منحهما اللهُ الصحة والفرح.

والحقيقة أن الفنان «جورج سيدهم» ليس فقط محظوظًا بزوجة استثنائية «ثمنُها يفوقُ اللآلئَ»، بل محظوظٌ كذلك بمحبة الناس، مثلما نحن محظوظون بوجوده فى حياتنا. فهو يقفُ على تاريخ كوميدىّ ودرامى ومسرحىّ شاهق، حصدَ به قلوبَ الجماهير. ولهذا يقيمُ له المُحبّون والأصدقاءُ عدّة حفلاتٍ لعيد ميلاده كلَّ عام، حُبًّا لشخصه واحترامًا لتاريخه المشرّف، وتقديرًا لزوجته الفريدة، التى أهدته سنواتِ عمرها لرعايته فى مرضه الصعب، الذى أقعده منذ حوالى ربع قرن من الزمان. وفى كلِّ حفل تشاركُ دوائرُ مختلفةٌ من الأصدقاء والأقرباء. على أنَّ حفل عيد ميلاده الأسبوع الماضى، الذى تشرَّفتُ بحضوره، نال حظًّا أوفرَ من التغطية الإعلامية، فأثار بعضَ اللغط والضجَّة، حين ظنّ الناسُ أنه عيد الميلاد الوحيد، فانتقدَ بعضُ الكُتّاب والإعلاميين غيابَ هذا، وغياب تلك.

أما الزميل الأستاذ «سليمان جودة»، فقد كتب فى جريدة «المصرى اليوم» مقالاً عنوانه: «جورج ليس قبطيًّا»!، وفى المقال انتقد بقسوة غياب «المسلمين» عن الحفل، باعتبار أن «جميعَ» مَن شاركوا فى عيد ميلاده كانوا «مسيحيين»!، مُتجاهلاً وجودى ضمن المشاركين، رغم انتشار صورى مع جورج وزوجته وجميع مَن شاركوا فى الحفل، فى الصحف والمواقع والصفحات. والحقيقة أن تجاهله وجودى «كمسلمة» فى الحفل ليس هو المشكلة الوحيدة فى المقال. المشكلة الأكبر هى أن الزميل العزيز قد «صنّفَ الناسَ عَقَديًّا»، وهو ما نكافحُه نحن التنويريين!، فتنميطُ الناسِ وتقسيمهم وفقَ العقيدة هو أحدُ معاول الفاشية الدينية التى تهدم المجتمعات، والتى نحاربها نحن الشارع الثقافى، ومن ضمننا الزميل العزيز «سليمان جودة»!.

ولكن أخطرَ ما ورد بمقال الأستاذ جودة هو عنوان المقال ذاته، فى الحقيقة. «جورج ليس قبطيًّا»!، والكاتبُ يريد أن يقول إن الفنانَ الحقيقىَّ أكبرُ من التصنيف الطائفى، حيث إن «جورج سيدهم» يتجاوزُ كونه قبطيًّا إلى كونه مصريًّا؛ لأنه فنانٌ كبير. وهذا حقٌّ. لكن المشكلة أن الكاتبَ حين أراد أن ينفى عن الفنان المحدوديةَ العقدية والتصنيفَ الطائفى، وقع بدوره فى التصنيف الطائفى؛ حين أقرَّ بأن حضورَ الحفل مسيحيون جميعُهم؛ بدلًا من أن يقول إنهم أصدقاءُ «مصريون» مُحبّون لفنّ فنان جميل، دون النظر إلى عقائدهم. ففعل الأستاذُ «سليمان جودة» ما انتقده فى الآخرين!.

أما الإشكاليةُ الأخطر فى عنوان المقال فهى استخدامه لكلمة (قبطى) فى غير معناها الصحيح. فالجميعُ بات يعلمُ الآن أن (قبطىّ) تعنى (مصرىّ). والكلمةُ تحويرٌ لعبارة باللغة المصرية القديمة هى: (ها كا بتاح)، أى (منزل روح الإله بتاح). بتاح هو واهبُ الحياة، فى الأدبيات المصرية القديمة، ومنزله: مصرُ. وتطورت الكلمة إلى هكبتا- كبت- قَبَط- ثم إيخبتوس- إيجبتوس (بدخول الإغريق مصر)، ومنها جاءت كلمة إيچبت Egypt مصر. فالقبطيةُ إذن (عِرقٌ) وليست (عقيدة). وبهذا يكون «جورج سيدهم» (قبطيًّا) لأنه مصرىٌّ. مثلما الأستاذ «سليمان جودة» (قبطىٌّ) لأنه (مصرىٌّ) أيضًا. فجميعُنا، نحن المصريين، (أقباطٌ) بحكم العِرق والچين والسلالة والميلاد والانتماء، وإن اختلفت عقائدُنا. وبالتأكيد يعلم الأستاذ «سليمان جودة» كلَّ ما سبق، لكنه استخدم المعنى (الاصطلاحىّ) للكلمة كما هو الدارج. وهو ما نحاول تصحيحَه فى مفهوم العامة؛ لكى نُسمّىَ الأشياءَ بأسمائها الصحيحة. والحقيقةُ أننى هاتفتُ الأستاذ «سليمان جودة» فور قراءتى لمقاله، ولفتُّ نظرَه إلى وجودى فى حفل عيد الميلاد، ووعد بتدارك الأمر والتنويه عن ذلك، لكنه نسى فيما يبدو.

كلَّ عام وجميع (الأقباط) فى كل العالم، مسيحيين ومسلمين، بكل خير. كل عام وجورج سيدهم جميلٌ، نجتمعُ حول محبته على شرف زوجته الجميلة د. ليندا مكرم. وكالعادة: «الدينُ لله، والوطنُ لمَن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم