نعيم يوسف
هل مررت في وقت سابق بإجراء عملية جراحية!! هل خضت لحظات مرض لعدة أيام وأسابيع وشهور!! هل تتذكر هذا الألم والوجع الذي عشته وقتها!! هل تذوقت طعم مرارته جيدًا!! هل تذكر هذا الطعم!!

إنه طعم غريب!! خاصة في الأيام الأخيرة من المرض، عندما كانت طبقات جلدك تلتئم واحدة تلو الأخرى، وفي كل واحدة تدرك تمامًا أن جزءًا من جرحك يلتئم معها، ما يمنحك عزاء وقوة رغم مت تشعر به من آلام وأوجاع مبرحة تكاد في كل نوبة من نوباتها تُشعرك بأن روحك تنسحب من جسدك!!

ولكن هذا لم يحدث... لم تنسحب روحك من جسدك!! بل كانت هذه الآلام آلام التعافي من الجراح، وما تعرضت له من كسور في جسدك.. لم تكن هذه الآلام للموت، بل كانت للحياة!!

هذا الزمن، الزمن الذي تألمت فيه وتوجعت كثيرا، هذا الوقت الذي شعرت فيه بـ"التنميل"، وعدم التوازن والآلام المبرحة في كل خلية من خلايا جسمك.. رغم صعوبته وبطء مروره عليك، إلا أنه كان زمانا جميلاً.. زمانًا للشفاء.. زمانًا للتعافي.. زمانًا لتجديد الحياة في كل خلية من خلايا جسدك المتألمة، وزمان بعثها من جديد!!

للأسف.. يتخيل الكثيرون أن كل الآلام سيئة.. ويتساءلون: لماذا نشعر بها؟!؟! لما يتركها الله تعصف بقلوبنا وجسدنا وأبداننا؟!؟! وأين يختفي هو في وقت هذه الآلام؟!؟! أين يذهب ويتركنا وحيدين نعاني منها؟!؟! هل تخلى عنا حقًا؟!؟! هل تركنا فريسة لتنهش في عظامنا وقلوبنا ونفسياتنا المحطمة قبل أن تنهش في لحومنا رويدًا رويدًا وكأنها وحش كاسر يتغذى على آلامنا؟!!

الحقيقة أنه ليست كل الآلام سيئة، وليست كل أوجاع القلوب مميتة، بل على العكس تماما، هناك آلام شافية!! نعم!! إنها آلام الشفاء، والله ليس غافلًا عنا في هذا الوقت... بل على العكس، إنه الطبيب الماهر الذي يشرف على جراح أوجاعنا باستمرار.. قد نشعر وقت الألم بتقصير الأطباء، وأنهم لم يفعلوا ما عليهم لكي نتعافى سريعا من هذه الآلام التي تخنق أرواحنا شيئا فشيئا، إلا أن الأطباء المشرفون على علاجنا يدركون جيدًا أن الشفاء يلزمه الألم، وأنه بدون ألم لا شفاء، وأن المخدرات التي يحقنوننا بها ما هي إلا مسكنات مؤقتة فقط لكي نستطيع تحمل ألم التجربة.. كذلك يدركون جيدا ما نتهمهم به، ويصفحون عنا وعن اتهاماتنا لهم لأنهم مدركون كل ذرة ألم نعيشها.. كذلك الله الذي لم يختف أبدا في مسيرة تعافينا من الآلام، بل على العكس، في كل لحظة يتابع تطورات الشفاء، ويتابع بشكل دقيق التئام الخلايا خلية خلية، ويدرك جيدا ما نعيشه ونمر به ولذلك يسامحنا على جهالاتنا واتهاماتنا له في وقت الألم.

إن الآلام النفسية مثلها مثل الآلام الجسدية تمامًا. ليست للموت. وإنما للحياة. هذه الآلام للشفاء وليس للمرض، المهم أننا لا نعلق فيها، وأن ندعها تأخذ وقتها تمامًا، ونشعر بها بكل كياننا.. نعم.. علينا أن نشعر بآلام نفوسنا في كل جسدنا.. ولكن علينا أن ندرك تماما أنها آلام الشفاء والتعافي، وأنها تتناقص يوما بعد يوم.

علينا أن نتبع الأساليب العلمية التي يقدمها لنا علم النفس لكي نتعايش مع آلامنا، وأن تتحول هذه الآلام للخير.. نعم.. إنها ستتحول للخير عندما تحولنا هذه الآلام إلى أشخاص آخرين، وتعطينا حياة أخرى، جديدة، إنها آلام التجديد، لنكون أشخاص أفضل مما كنا عليه.. قد نكون في فترة التعافي والشعور بالألم لسنا في وضع أفضل.. ولكن الأكيد أننا أشخاص أفضل حتى وإن كنا نتألم من كل قلوبنا وأجسادنا..

أشعر بكل ألمك.. أذهب بنفسك إلى أعمق نقاط وجعك، وخوفك من المستقبل، ومرر ألمك لكي يمر.. دعه يمضي بسلام، لكي تتخلص منه رويدًا رويدًا..
أشعر بألمك جيدا.. فكلما شعرت به ولم تهرب منه، كلما كان ذلك شافيا أسرع، وستتخطى حتمًا "زمن الألم الجميل" لتخرج إلى حياة جديدة ملؤها النور والإشراق والأمل والحب.