كتب : مدحت بشاي
medhatbe9@gmail.com
 
ما حدث في دير الأنبا مقار ، و الأخبار التى تدفقت ( الحقيقي منها والغير مستند إلى أي أمر حقيقي )  غير الذهاب للإثارة وخدمة أغراض من بثها ونشرها  للأسف رغم أن الأمر لازال في يد القضاء ، مما يدفعني لمطالبة الجميع بالتوقف عن نشر تلك المتابعات الساخنة إلا التي تأتي عن مصادر موثوق منها كجهات التحقيق أو الكنيسة و حتى تلتئم أوصال تلك الحدوتة المأساوية الحزينة  .. 
 
ولعل من المفيد الاقتراب من فكر وتوجهات الراهب الراحل العظيم متى المسكين مفكر وأب الدير الراعي لمنظومة غاية في دقة تطبيق مفاهيم الرهبنة الأصولية وحتى تنيح عام 2006 ، وخصوصًا بعد أن  فجر القمص يوئيل المقارى، أحد شيوخ دير الأنبا أبومقار، مفاجآت صعبة حول ما وصفه بالتسيب والفوضى التى عاشها الدير على مدار السنوات الماضية ، أدت إلى حدوث جريمة مقتل رئيس الدير، الأنبا أبيفانيوس ، وذكر القمص " يوئيل "، فى رسالة صوتية، أن قداسة  البابا شنودة الثالث المتنيح كان قد أطلق العنان للرهبان مما دفعهم إلى التخلى عن الرهبنة الحقيقية ، وعدم الانصياع لشيوخ الدير، الذين أسسوا المكان على أسس الرهبانية، وأشهرهم الراحل متى المسكين ،  كما أن نيافة الأنبا روفائيل السكرتير السابق للمجمع المقدس قد قال صراحة عبر حديث لنيافته " الدير كان فوضى " !!! 
 
" المسكين " هو من كتب على جدران قلايته "علينا واجبات وليس لنا حقوق" على الرغم مما تعرض له من حروب ومتاعب إلا أنه كان الناسك الوديع غير الصدامي وكان يوصي أبنائه الرهبان باتباع ذلك النهج المثمر الرائع ، كان يركز جهده وطاقته في الإعمار والكتابة.   
 
جاء في مذكراته التي تم نشرها في جريدة الأهرام ، كيف كانت والدته تصلي لساعات ...كانت القدوة والأم المنحنية الساجدة بالصلاة، وأضاف : كانت والدتي متدينة جدًا بصورة لا يصدقها عقل‏،‏ فكانت وقبل أن تمرض تدخل غرفة خاصة‏ وكنت أتمسك بملابسها بإصرار حتى تسمح لي بالدخول معها‏، وكانت تظل واقفة لعدة ساعات تصلي وتسجد، ولا تكف عن السجود مئات المرات‏‏ وكنت أحاول أن أسجد معها تقليدًا، ولكن قواي كانت تخونني فأقف صامتًا أتأملها وهي تقوم وتسجد كالساقية دون أن تكل‏‏ لعدة ساعات‏ وفي يدها سبحة وصليب‏. ‏  
قال في أشهر مؤلفاته ( التي تجاوزت 180 كتابًا  ) حول علاقة الكنيسة بالدولة " الله لا يمكن أن يتمجد بسلطان قيصر " لأن مجد السماويات شيء ومجد الأرضيات آخر " ( 1 كو 15: 40 ) ، وكذلك الكنيسة ، والتجربة في الإنجيل واضحة : عندما تحمس الشعب ليُدخل المسيح في تجربة السلطان الزمني تركهم ومضى وحده " إذ علم أنهم مزعمون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكاً ، انصرف ... وحده " ( يو 6: 15 ) ، وعندما تباحثوا معه أوضح لهم أنه يرفض مجد الناس " مجداً من الناس لست أقبل "  ( يو 5: 41 ) ، هذا هو رب الكنيسة ورأسها وهو بسلوكه يخط لها الطريق الذي تسلكه..." ..
تلك بعض من أفكار ورؤى المفكر الراهب المتنيح " متى المسكين " والتي جاهد كثيرًا عبر رحلة عمره الرائعة  أن تنتشر لتعيد جماعة الإكليروس للاقتراب أكثر من تعاليم السيد المسيح بشكل عام عبر الإشارة إلى المواقف القدوة في التعامل مع الأمور الحياتية نبراسًا لهم ، وبشكل خاص ما تناوله " المسكين " حول علاقة الكنيسة ورعاتها برموز ومؤسسات الحكم ، وما أطلق عليه " السلطان الزمني " .. 
 
ولعل من المفيد الاقتراب من حوار نادر ورائع أجراه معه ثلاثة من أهل الفكر والتنوير ونشرته جريدة   " أخبار الأدب " في صيف 1991 .. أستأذن قارئ موقعنا الهام الغراء لعرض سؤال واحد فقط  لكل من د. هدى وصفي و د. نصر أبو زيد و د. جابر عصفور ..
 
هدي وصفي : نريد أن تحدثنا عما قمت به من شرح إنجيل يوحنا، ويدفعنا إلي هذا السؤال منهجك في الشرح من ناحية، والتمهيد المستقل الذي قدمت له للشرح في أكثر من أربعمائة صفحة بعنوان المدخل لشرح إنجيل يوحنا. وواضح أنك كنت تقدم في هذا الشرح - ترجمة تفسيرية جديدة للنصوص الأصلية؟
 
متى المسكين: في الحقيقة، أنا حين ابتدأت الترجمة واجهت معضلتين : الشرح والتفسير، فالكلام بحاجة إلي تفسير، وبعد التفسير بحاجة إلي شرح، لأنني أوضح معني النص، وأرتبط بالنص ارتباط أمانة، ونقطة البداية هي ترجمة النص لأنه يوناني ذوترجمة سقيمة، ولذلك أبدأ بإعادة ترجمته. بعد ذلك أبدأ التفسير علي ألا أخرج خارج النص إطلاقا، وإلا فإن ذلك لا يعتبر تفسيرًا، فأي خروج نسميه عدم أمانة، وهذا لا ينطبق علي القرآن، ففي القرآن ليس بعد النص شيء، ولكن في الإنجيل، لدينا ما يجعل الكاتب يكتب مثل إنجيل يوحنا، فهو يوضح كلام المسيح ويشرحه فقبل النص هناك صاحب النص ولذلك لابد أن أتعرف علي النص كي أقول الشرح، وتلك مرحلة ما قبل التفسير، وفيها خروج عن النص ولكن في حدود صاحب النص، إذ لابد لي أن أعرف صاحب النص سواء كان المسيح أو يوحنا، وأن أتربي بالمعني الصحيح تحت رجليه وأن أعرف خلجات قلبه وفكره، وبالتالي أستطيع أن أكتب أكثر من النص مرات كثيرة، وأشرح النص دون أن أخرج عنه قيد شعرة.
 
جابر عصفور: أنت – إذن - شارح بالمعني التأويلي، علي أساس أن التأويل عود علي البدء، ومن ثم فشرحك إدراك لغاية صاحب النص.
متى المسكين: أنا لا أؤول، أنا آخذ التأويل من صاحب النص.
جابر عصفور: بمعني أنك ترجع إلي الأصل.
متى المسكين: أرجع إلي النص فقط، وليس إلي ما قبل النص .
.نصر أبو زيد: في القرآن ليس عندي ما قبل النص.
جابر عصفور: في الإسلام ليس هناك ثنائية.
 
متى المسكين: لا، ليس ثنائية ، ولكن أستطيع أن أسميه الفكر الكلي المطلق أو الوعي الكامل، يتدرج إلي الوعي غير المطلق المرتبط بالعقل فيتترل كلامًا، ولكن قبل الكلام وعي خارج عن الكلام، أقوي منه وأكبر منه ولكن لا يخرج عنه.
نصر أبو زيد: في القرآن، نربط بين التفسير والعلوم اللازمة للاقتراب من النص، بمعني
أنني لا أستطيع تفسير آية دون أن أعرف أسباب الترول.
 
متى المسكين: هنا أستطيع القول، ولك أن تردني، إن وراء النص القرآني هناك الروح القرآنية التي كتبت القرآن، كيف أتبين هذا؟ محمد عبده والأفغاني خرجا عن النص وشرحا، وكان شرحهما مقبولًا وتأثيرهما قويًا علي المسلمين، ولكن هذا انتهي يوم قفل باب الاجتهاد، وهذه مأخوذة علي المسلمين، إذ كيف يقفل باب الاجتهاد
والاجتهاد مرتبط بالله وليس بالقرآن فقط، الاجتهاد هبة، رجل موهوب فكيف أقول له لا تجتهد، وهو أخذ من الله فرمان أن يجتهد ويشرح، إن غلق باب الاجتهاد يكون حين يغلق الله باب الإلهام .