د. مراد وهبة
هذا النادى يضم نخبة متميزة يُشار إليها بالبنان ارتأت أن تدخل فى حوار مع كاتب وأحد مؤلفاته فى ضيافة الكاتب والصحفى الأستاذ صلاح دياب, الذى يقف فى الصدارة فى صحافة هذا الزمان.

وفى هذا السياق التقيت هذه النخبة فى 28/ 5/ 2019 لإجراء حوار حول كتابى المعنون: رباعية الديمقراطية، وهى عندى على النحو الآتي: العلمانية أساس الديمقراطية وهى تعنى التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق.

وهذا المعنى مشتق من نظرية كوبرنيكوس عن دوران الأرض حول الشمس، إذ من شأن هذا الدوران ألا تكون الأرض هى المركز ، وبالتالى لن يكون الانسان هو المركز ومن ثم لن يكون من حقه قنص الحقيقة المطلقة.

وبعد العلمانية تأتى نظرية العقد الاجتماعى التى تعنى تأسيس البشر لمجتمع يمنحهم الأمن فى مقابل التنازل عن بعض الحقوق من غير تدخل من السلطة الدينية.

وبعد العقد الاجتماعى يأتى التنوير الذى يعنى إعمال العقل من غير معونة الآخرين, الأمر الذى يمكن معه القول ألا سلطان على العقل إلا العقل نفسه، ولكن بشرط ألا يتوهم هذا العقل بأنه قادر على قنص المطلق.

وأخيرا تأتى الليبرالية التى تعنى أن سلطة الفرد فوق سلطة المجتمع. ثم ارتأيت بعد ذلك أننا قد اغتلنا هذه المكونات الأربعة، وبالتالى فالديمقراطية غائبة. وبعد ذلك دار حوار حاد مع النخبة التى ارتأت أن الديمقراطية كانت واردة قبل ثورة يوليو 1952 وكانت بزعامة حزب الوفد، إلا أنها لم تعد كذلك بعد الثورة.

وعندئذ اقترحت عقد ندوة مشتركة بين أعضاء نادى الكتاب وأعضاء منتدى ابن رشد لإجراء حوار حول الإشكاليات التى تثيرها هذه الرباعية.

وقد لاقى هذا الاقتراح قبولاً. ولا أدل على ذلك مما قرأته فى صحيفة المصرى اليوم بتاريخ 3/ 6/ 2019 من مقال للدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق تحت عنوان: ديمقراطية مراد وهبة, وما جاء فى عمود نيوتن تحت عنوان: العلمانية والحقيقة المطلقة. واللافت للانتباه هنا أن العنوانين متسقان فى بيان مغزى الرباعية الذى يكمن فى أنه لا ديمقراطية بلا علمانية، ومن ثم فالعقل الانسانى عاجز عن قنص المطلق. وعند هذا المغزى يثير المقال والعمود إشكاليات جديرة بأن تكون موضع حوار وهى على النحو الآتي: يثير الدكتور أحمد جلال ثلاثة تساؤلات.

أولاً: يُعلى كتاب رباعية الديمقراطية من تأثير الأفكار الكبرى على تطور المجتمعات، لكن أين دور تعارض المصالح على أساس طبقى اجتماعى أو اقتصادى أو سياسى فى تطور نظم الحكم؟ ثانياً: إذا كان للأفكار والمصالح دور فما هى العلاقة الجدلية بين الاثنين؟ ثالثاً: هل هناك نقطة معينة يكون عندها التحول الديمقراطى أكثر احتمالية، وهل نحن فى مصر بعيدون عن هذه النقطة؟

أظن أن هذه التساؤلات الثلاثة تشى بأن الدكتور أحمد جلال لديه اعتراض على الرباعية ذاتها، باعتبار أن مسارها معزول عن عوامل أخرى يراها ضرورية إذ هى تكتفى بالعقل تفسيراً لمسارها وتتجاهل العوامل الطبقية والاقتصادية والسياسية.

وفى تقديرى أن هذه العوامل لم تنشأ مع نشأة الحضارة. فالحضارة فى نشأتها لم تكن إلا مجرد وسيلة لخروج الإنسان من أزمة الطعام التى واجهها فى عصر الصيد، وكانت هذه الوسيلة متمثلة فى ابتداع الإنسان التكنيك الزراعى الذى أفضى به إلى الانتقال من أزمة طعام إلى فائض طعام.

وبعد ذلك نشأت المجتمعات وما لازمها من اقتصاد وسياسة وهى محكومة بالعقل، إلا أن ما حدث بعد ذلك من صراعات وحروب لم تسمح بأن تكون للعقل الصدارة. ولا أدل على ذلك مما حدث فى العصور الوسطى من أن السلطة الدينية قد أفسدت العقل فحدث نتوء لمسار الحضارة.

ولا أدل على ذلك أيضا من ولادة عصور وسطى جديدة تلازمها أصوليات دينية تدعو إلى أفول العقل بديلاً عن سلطان العقل.

هذه التساؤلات جديرة بأن تكون موضع حوار فى الندوة المقترحة، وأنها قد أُثيرت من أحد أعضاء المنتدى الدكتورة منى أبو سنة فى مقالها فى المصرى اليوم بتاريخ 1/4/2019 تحت عنوان: دستور رباعية الديمقراطية المصرية.
نقلا عن الأهرام