مراد وهبة
للتدليل على صحة عنوان هذا المقال يلزم فى البداية توضيح معنى مصطلح الليبرالية. فهو مشتق من لفظ لاتينى يعنى «الإنسان الحر». أما نشأته فثمة أقاويل ثلاثة. فقد قيل أولاً إن هذا المصطلح نشأ فى عام 1812 لإطلاقه على حزب سياسى إسبانى. وقيل ثانياً بأنه نشأ مع الرأسمالية بادعاء أنها تدعم الإنسان الحر. وقيل ثالثاً إن حروب الأديان فى القرنين السادس عشر والسابع عشر هى التى أدت إلى القول بضرورة التسامح من أجل منع هذه الحرب. وفى هذا السياق يمكن تعريف اليبرالية بأنها تعنى حماية الملكية الخاصة التى هى أساس الرأسمالية، أو بأنها تدل على قدرة الفرد على تحديد غاياته بنفسه. وهى فى هذا أو ذاك فإنها تعنى أن سلطة الفرد أعلى من سلطة المجتمع، وذلك على نحو ما يرى الأب الروحى لليبرالية الفيلسوف الإنجليزى جون ستيوارت مِل من القرن التاسع عشر وذلك فى كتابه المعنون «عن الحرية». وفى هذا السياق فإن الحرية، عنده، تعنى أمرين: الأمر الأول يكمن فى تحديد العلاقة بين الحكام والمحكومين. والأمر الثانى يكمن فى تحديد العلاقة بين الفرد والمجتمع.

فى العلاقة الأولى يكون المحكومون مهمومين بالدفاع عن أنفسهم وذلك بالحد من سلطة الحكام. ولكن بسبب هذا الهم تبزغ ظاهرة جديرة بالتنويه وهى فئة من الشعب تزعم أنها الأغلبية فتقهر الأقلية. وقد أطلق مِل على هذه الظاهرة مصطلح «طغيان الأغلبية». ومع التطور يمتد هذا النوع من الطغيان من المجال السياسى إلى المجال الاجتماعى، وعندئذ يتحول من «طغيان الأغلبية» إلى طغيان «الرأى العام» وهو يعنى الادعاء بأن من حق المجتمع أن يطلب من جميع أعضائه الانصياع لما يأمر به الرأى العام. ومِل لا يقبل هذا النوع من الطغيان إلا إذا كان مرهوناً بعدم وأد حرية الفكر. فإذا ما تم وحدث الوأد فإن معنى ذلك أن ما يقوله الرأى العام هو قول مطلق أو بالأدق حقيقة مطلقة. وهنا تصبح العلمانية ضرورية لأنها تقف ضد القول بالحقيقة المطلقة، وذلك بحكم تعريفى لها بأنها «التفكير فى النسبى بما هو نسبى وليس بما هو مطلق».

وبالفعل لم يمكن فى الإمكان الدعوة إلى الليبرالية من غير الدعوة إلى العلمانية. والمعنى هنا أن العلمانية لم تكن مجرد فكرة بل هى تعبير عن «مسار» فكرة، وأن هذا المسار بدايته ظواهر ثلاث: النزعة الإنسانية التى تدعو إلى الابتعاد عن المؤسسة الدينية، والنزعة القومية التى لازمتها القوة الاقتصادية التى نشأت فى المدن التى بها عائلات ثرية كل همها الانخراط فى الاقتصاد دون الانشغال بالدين، والنزعة الإصلاحية الدينية فى القرن السادس عشر بقيادة لوثر وكالفن. ومن ثم حدث انقسام فى المؤسسة الدينية إذ تعددت السلطات الدينية ومع تعددها نشأت حروب الأديان فبدأ انصراف المؤمنين عن الدين التقليدى إلى أن جاء القرن العشرون وإذا بمجلس الإرساليات الدولى يجتمع فى أوروشليم فى أبريل 1928 ويصدر أعمال ذلك الاجتماع وبه دراسة تحت عنوان «الحضارة العلمانية». ومفادها أن العدو الرئيسى للمسيحية هو العلمانية وليس الأديان الأخرى.
نقلا عن المصرى اليوم